الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ }

يعني: يا محمد، لا تهتم بهذا الهراء فالله حَسْبك وكافيك، والذي يدل على ذلك أن رسول الله كان يحرسه القوم من المؤمنين مخافة أن يناله المشركون بسوء، ففوجئوا في يوم أن رسول الله يسرحهم ويُنهي هذه الحراسة ويصرفها. ولو لم يكُنْ رسول الله واثقاً أن الذي أمره بصرف الحراس كفيلٌ بحفظه وحمايته لما فعل ذلك في نفسه لذلك رأينا المرأة الدنماركية وهي تقرأ في سيرته صلى الله عليه وسلم، أنه أعظم العظماء الذين تركوا بصمة واضحة في التاريخ، وقلبوا ميزان الدنيا، فلما جاءت عند هذه الحادثة وقرأت { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36] وقرأت:وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] قالت: والله ما فعل محمد ذلك إلا وهو واثقٌ من حماية ربه له، ولو خدع الناسَ جميعاً ما خدع نفسه، وآمنتْ بسبب هذه المسألة. قوله سبحانه: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36] يحلو للبعض أن يقول المعنى: أليس الله كافياً عبده، ويعتبرون الباء زائدة، وهذا غير صحيح، فليس في كلام الله تعالى حرف زائد فالهمزة هنا استفهام إنكاري، والإنكار يفيد النفي، بعدها ليس للنفي ونفي النفي إثبات. يعني: ننكر أن الله ليس بكافٍ عبده، وما دُمْنا ننكر أن الله ليس بكافٍ عبده، فالنتيجة أن الله تعالى كافٍ عبده. والحق سبحانه وتعالى: له اسم هو الله، وله صفات هي التي عرفناها بالأسماء الحسنى، ومن أسمائه الحسنى الكافي، فالمعنى إذن: أليس الله موصوفاً بكاف عبده، فكيف إذن نقول: إن الباء زائدة؟ إن القول بزيادة الباء هنا يناقضُ بلاغةَ القرآن، ولا يصح أن نقول: إن في القرآن حرفاً زائداً، البعض يتأدّبون مع كلام الله ويقولون: بل هو حرف صلة، وآخرون يقولون: حرف لربط الوجود، ولسنا في حاجة إلى كل هذه التأويلات. وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة، فلو قلنا مثلاً: ما عندي مال، ما هنا تنفي وجود المال الذي يُعتد به، ولا تمنع أنْ يكون معي جنيه أو جنيهان مثلاً، لكن لو قلتَ: ما عندي من مال أي: من بداية ما يُقال له مال ولا حتى مليم واحد إذن: حرف الجر هنا ليس زائداً في الكلام، إنما تأسيسي في المعنى. أما الذين قالوا بزيادة الباء في { بِكَافٍ } [الزمر: 36] فقد اعتبروا ليس من أخوات كان التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، فلفظ الجلالة اسمها مرفوع وكافٍ خبرها، فالتقدير: أليس الله كافياً عبده، وهذا ينافي جلال القرآن وبلاغته. وقوله: { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } [الزمر: 36] أي: بالأصنام { وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } [الزمر: 36] يعني: دعهم يقولون ما يقولون فقد أَضلهم الله فمَنْ يهديهم؟ { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ } [الزمر: 37] هذا هو المقابل إذا هدانا الله الطريق، فلن يُضِلنا أحد { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ } [الزمر: 37] يعني: أليس اللهُ موصوفاً بالعزّة، فالباء هنا كسابقتها.

السابقالتالي
2 3