الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

التقدير هنا { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ.. } [الزمر: 22] كمن ضاق صدره عن الإسلام، إذن: لا بُدَّ أنْ نذكر هذا المقابل لأنهما لا يستويان { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ.. } [الزمر: 22] تدل على أننا أخذنا الضيق من القسوة، فالذي ضاق صدره عن الإسلام ضاق صدره لقسوة قلبه. وهذه مثل قوله تعالى:أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9] والمعنى: أهذا كمَنْ لم يقنت؟ وعليك أنت أنْ تجيب: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، كمَنْ قسا قلبُه وضاق صدره عن دين الله وهداية الله؟ ومعنى { شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ.. } [الزمر: 22] أي: جعل الضيق واسعاً، وتقول لصاحبك: وسّع صدرك يعني: اجعله مُتسعاً لمناقشة كل القضايا، ومن معاني سعة الصدر ألاَّ تشغله بالخزعبلات، وألاَّ تزحمه بالباطل، حتى يكون لك أُنْس به، وعندها يطرد الباطل الحق كما قلنا في مسألة الحيز. فالحيز الواحد لا يتسع إلى لشيء واحد، فالماء مثلاً يطرد الهواء حين تملأ زجاجة بالماء. ومن شَرْح الصدر أن يكون لديك عدالة اختيار حين تختار بين البدائل، عليك أن تصفي قلبك، وأن تُخرج منه كل ما يشغله، ثم تبحث القضايا المعروضة عليك، فما وجدته مناسباً تُدخِله قلبك ليستقر فيه حتى يصير عقيدةً راسخة لا تقبل المناقشة مرة أخرى، لأن الله تعالى خلق لنا حواسَّ تدرك: عينٌ ترى، وأذنٌ تسمع، ولسان ينطق. وبهذا الحواس نأخذ المعلومات. ثم نعرضها على العقل ليختار منها ويبحث فيها، فما وجده صالحاً أسقطه في القلب، وهذه هي العقيدة التي تستقر في القلب، ولا تطفو لتُبحث من جديد. لذلك احذر الران الذي يترسب على القلب حتى يغلقه، فلا يكون فيه مكان للحق، والنبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى هذه المسألة في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً - وفي رواية: عَوْذاً عَوْذاً - فأيما قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تكون على قلبين: على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرباداً - وهذا الذي يقول الله فيه: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] - كالكوز مُجخياً - منكوساً - لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً ". والفتن هنا هي الشُّبَه التي تعرض للناس في الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم يشبهها بالحصير الذي يُنسج عوداً بجوار عود، حتى يكون كالحصيرة التي نجلس عليها، أو عَوْذاً يعني: نستعيذ بالله من هذه الفتن، أو عوْداً أي مرة بعد مرة.

السابقالتالي
2 3