الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } * { أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } * { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

معنى نَبأ هو الخبر الهام الذي وراءه حقائق لا يُكذِّبها الواقع. وقال في سورة النبأ:عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [النبأ: 1-2] ووصف بأنه عظيم لأنه سيترتب عليه أمران يتعلقان بالدنيا والآخرة. فإنْ كنتَ أخذت حظك في اتباع شهواتك في الدنيا، والدنيا لها نهاية، فستصْلَى في الآخرة ناراً لا نهاية لها. وكان عليك أنْ تتنبه لهذه المسألة لأن الإنسان لا بُدَّ له أنْ يحدد غايته في الوجود، والغاية الحقيقية هي التي ليس بعدها بَعْد، أما الغاية التي بعدها بَعْد فليست بغاية، بل هي مرحلة تؤدي إلى ما بعدها، كالتلميذ ينجح في القبول مثلاً، فيؤدي به النجاح إلى الإعدادية، والنجاح في الإعدادية يؤدي به إلى الثانوية، والثانوية إلى الجامعة. وهكذا حتى لو أخذ الدكتوراه فإنه ينتقل إلى ما بعدها من مراحل ثم الموت، حتى الموت ليس هو نهايةَ المطاف إنما بعده، إما إلى نار وإما إلى جنة، وهذه هي الغاية التي ليس بعدها بعد، لأنها باقية خالدة لا نهاية لها. لذلك الحق سبحانه يُنبهنا إلى هذه الغاية قل يا محمد { هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ص: 67-68]. وكلمة مُعرِض يعني: منصرف هي التي نقول عنها: فلان أعطاني عرض أكتافه يعني: مال عني وانصرف، وهذه الكلمة تمثيل لواقع الناس حين يُدْعَوْنَ للإنفاق، وحين يُدْعَوْنَ لعمل الخير، فمنهم مَنْ يُعرض عنه، ويكون الإعراض على مراحل أولاً يميل عنك بوجهه ويلوي رقبته، ثم يعطيك جنبه، ثم يبالغ فيدير لك ظهره. وقد صور لنا القرآن هذا المشهد، فقال سبحانه في وصف عاقبة الإعراض عن الإنفاق في سبيل الله:وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ.. } [التوبة: 34-35]. هكذا يكون الجزاء من جنس العمل، وبنفس ترتيب الإعراض في الدنيا، يكون الكي في الآخرةهَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة: 35]. إذن: الأعضاء التي اشتركتْ في الإعراض هي التي ستُكْوى، وعلى قَدْر الإعراض يتسع الكَيِّ. ثم أراد الحق سبحانه أنْ يُدلل على أن محمداً لا يعلم الغيب، فقال: { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ص: 69] لأنه سبحانه سبق أنْ تكلم عن تَخَاصُم أهل النار، فقال:إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [ص: 64] وقد أوضح سبحانه تخاصم الملأ الأعلى من الملائكة في المبدأ، حين قالوا للحق سبحانه:أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.. } [البقرة: 30] هذا هو خصامهم، لا أنهم يتخاصمون كما يتخاصم البشر لأن الله قال عنهم:بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }

السابقالتالي
2