الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } * { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } * { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ }

هذه الآيات تصور لنا موقفاً من مواقف القيامة دار بين أهل الشر الذين تعاونوا عليه واجتمعوا من أجله، بين الأخلاء على الشر، وهذا الحوار عناصره ثلاثة، هم: الملائكة خَزَنة النار، وزعماء الكفر الذين سبقوا إلى النار، ثم أتباعهم من الذين أضلوهم، يقول الملائكة لزعماء الكفر: { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ } [ص: 59] يُنبهون أهل النار أن جماعة من أتباعكم قادمة إليكم. ومعنى { مُّقْتَحِمٌ.. } [ص: 59] يعني: داخل النار بشدة وبسرعة، لكن كيف يسرع الداخل وهو داخل إلى النار؟ قالوا: لأنه لا يسير بإرادته، إنما يُجبر على الحضور ويُدفع إلى الدخول رَغْماً عنه، كما قال تعالى:يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور: 13]. والفوج هو الجماعة أو الطائفة كما نقول: فوج الحجاج، أو فوج المسافرين. فماذا قال زعماء الكفر الذين هم في النار؟ قالوا: { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } [ص: 59] يعني: لا سعةَ ولا تحيةَ ولا تكريم، هكذا حال الأخلاء على شَرٍّ، ففي الآخرة تنقلب هذه الخُلَّة وهذه الصداقة إلى عداء، ويلعن كل منهم صاحبه، المتبوع يلعن التابع، والتابع يلعن المتبوع، وها هم المتبوعون يقولون لأتباعهم: { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ.. } [ص: 59] وعلام نرحب بهم؟ أجاءوا لينقذونا مما نحن فيه؟ أو حتى ليخففوا عنا؟ إنهم جاءوا للنار وللاصطلاء بحرِّها. فردَّ الفوج المقتحم الداخل على قادته وزعمائه الذين أضلوه: { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا.. } [ص: 60] أي: الكفر والضلال، يعني: أنتم غَشَشْتمونا وأضللتمونا وأخذتم بأيدينا إلى هذا المصير السيءفَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [المجادلة: 8] الذي صِرْتم وصِرْنا إليه { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } [ص: 61]. وفي موضع آخر، يُصوِّر القرآنُ هذا الموقفَ، فيقول حكايةً عن الكافرين:رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ * رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } [الأحزاب: 67-68]. فطلبوا لهم ضعفين من العذاب، لأنهم ضَلُّوا في أنفسهم، ثم أضلُّوا غيرهم فاستوجب كل ضلال جزاءً، إذن: لا بُدَّ أنْ يكونَ المتبوعُ أشدَّ عذاباً من تابعه، والحق سبحانه لا يعذِّب عبده بأكثر مما يستحق، لكن هؤلاء يُضَاعَف لهم العذابُ ضِعْفين من ناحية انفكاك الجهة، فضِعف لأنه ضَلَّ في ذاته، وضِعْفَ لأنه أضلَّ غيره. ومعنى: { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا.. } [ص: 60] أي: بالإغواء والتزيين وتحسين الضلال وتيسير سُبُله. وفي موضع آخر في سورة البقرة يُبيِّن الحق سبحانه أن الأخلاء على الشر سيتبرأ كل منهم من الآخر:إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ }

السابقالتالي
2