الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } * { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ }

الملأ هم الذين يملأون العين مهابةً وزياً وهِنْداماً، ويملأون صدور المجالس. والمراد: الأعيان وزعماء القوم وصناديد الكفر في قريش، وعلى رأسهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل وأُبيّ بن خلف، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، والنضر بن الحارث، وخصَّهم الله بالذكر لأنهم أهل السيادة، ودعوته صلى الله عليه وسلم ستسحب بساط السيادة من تحت أقدامهم، فهم المضارُّون من دعوة رسول الله. ولهذه المسألة قصة، فهؤلاء الزعماء ذهبوا إلى أبي طالب عم رسول الله وقالوا له: لو كان ابنُ أخيك يريدُ مُلْكاً مَلكْنَاه علينا، وإنْ كان يريد مالاً جمعنا له من المال حتى يصير أغنانا.. إلخ فَكلَّم أبو طالب رسول الله وقال: يا ابن أخي، ابْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تُحمِّلني من الأمر مَا لا أطيق، إن قومك جاءوني وقالوا كذا، وكذا فقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة: " والله يا عَمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أنْ أتركَ هذا الأمر ما تركتُه حتى يُظهِره الله، أو أهلِكَ دونه ". فلما خاب سَعْيُهم، وعلموا أن رسول الله لن يُهادنهم في آلهتهم، ولن يقبل عروضهم ومساوماتهم أسرعوا إلى القوم يحفزونهم على التمسك بآلهتهم والصبر عليها { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ } [ص: 6] يعني: إلى قومهم { أَنِ ٱمْشُواْ } [ص: 6] يعني: سيروا على ما أنتم عليه من عبادة الأصنام، وابْقوا على طريقتكم وعبادتكم { وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } [ص: 6] يعني: على عبادتها واحذروا أنْ يُضلِكم محمد عنها. { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [ص: 6] أي: مسألة مدبرة لها ما بعدها من العواقب، لأن الآلهة إنْ كفرتُم بها ستغضب عليكم فيصيبكم الجَدْب والقحط، أو الشيء يُرادُ بنا نحن الأعيان، فنذل بعد أنْ كُنَّا سادة، ونصير سواسية مع باقي القوم. وقولهم: { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } [ص: 7] أي: ما سمعنا بأن الإله واحد، والملة الآخرة هي أقرب المِلَل إليهم، وهي اليهودية والنصرانية، نعم اليهودية والنصرانية نزلتْ من السماء بتوحيد الله، لكن الذي شجَّعهم على هذا القول أن اليهود قالوا: عزير ابن الله. والنصارى قالوا: المسيح ابن الله وقالوا: إن الله ثالث ثلاثة. لذلك قال كفار مكة: ما سمعنا بتوحيد الله في الملة الآخرة { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ص: 7] يعني: ما هذا إلا كذب وافتراء، ومعنى الاختلاق: خَلْق الشيء بلا واقع يسانده.