الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } * { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ }

قوله تعالى: { هَـٰذَا } أي: ما تقدم من موكب الرسل { ذِكْرٌ } تذكير كما في قوله تعالى:أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ.. } [البقرة: 282]. يعني: هذا الذي ذكرناه من موكب الرسل ومن موقف الأمم معهم، وكيف أنهم تحمَّلوا تفاهة القوم وقِلَّة أدبهم مع أنبياءهم، وتحمَّلوا الاجتراء باللسان وبالجوارح، نذكر هذا لمحمد الذي يَلْقى من قومه ما يَلْقى من الأذى لنذكره أنه ليس بدْعاً في الرسل، وأن ما جرى لإخوانه المرسلين لا بُدَّ أنْ يجري له، وإذا كنا نقيس الابتلاء بمقدار الرسالة فنصيبُ محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الإيذاء أكبر من نصيب الرسل أجمعين. فقوله تعالى: { هَـٰذَا ذِكْرٌ.. } [ص: 49] تسليةٌ لسيدنا رسول الله حتى يعلم أنه ليس بِدْعاً في ذلك، وأن عظمته في أنْ يتلقَّى سفاهة القوم لأن القومَ حين يسفهون على الرسول يدلُّ ذلك على أنهم منتفعون بالفساد الشائع في قومهم، وما جاء الرسول إلا ليقضي على هذا الفساد، إذن: لا بُدَّ أنْ يكون الرسولُ خَصْماً لهؤلاء، وكلما تصدَّى لفسادهم اشتدتْ عداوتهم له، وإيذاؤهم وسخريتهم منه، واتهامهم له بالكذب والسحر والجنون.. إلخ. فهذه إذن سنة لله تعالى في كل مَنْ يتصدَّى للدعوة ويجابه الفساد في المجتمع، لا بُدَّ أنْ يجد مَنْ يجترئ عليه ويتهمه بالباطل، ويحاول النيل منه والتشكيك في قصده، هذا رَدُّ فعل طبيعي إذا وجده الداعية ينبغي أنْ يُسَرَّ به، فهو إشارة وعلامة تدلّ على نجَاحه في مسعاه، وأنه نال منهم وغَاظهم. وقوله سبحانه: { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } [ص: 49] أي: مرجع حسن إلى الله يوم القيامة، فهي تتحدث عن الآخرة وما ينتظره صلى الله عليه وسلم من الجزاء الحسن، ففي الآية عطاءان لرسول الله: الأولى: تسليته صلى الله عليه وسلم في قوله: { هَـٰذَا ذِكْرٌ.. } [ص: 49] ثم { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } [ص: 49] كأنه تعالى يقول: هذا الذي ذكرناه ذِكْر لمحمد كي نُسَلِّيه، لكن الأهمّ من ذلك ما ينتظره من الجزاء الحسن في الآخرة، الواو هنا عطفت { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } [ص: 49] على { هَـٰذَا ذِكْرٌ.. } [ص: 49]. والمتقون مادتها: وَقَى يعني حال بين شيء يصيبه، وبين نفسه، واتقى الشيء جعل بينه وبين الشيء وقايةً تحميه. وإذا نظرنا إلى هذه المادة في القرآن نجد الحق سبحانه يأمر بالتقوى تكليفاً يكلف الإنسان أنْ يقي نفسه مما يعُود عليه بالشر، وقد أتتْ هذه المادة بلفظ: اتقوا الله، واتقوا ربكم، واتقوني، واتقوا النار، واتقوا الفتنة. وكلها تلتقي في معنى واحد، لأن لله تعالى كما قلنا صفات جلال وصفات جمال، فمعنى اتقوا الله: اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال لله وقاية، مثل: المنتقم الجبار القهار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6