الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } * { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }

العجب هو الاستغراب، إنهم يتعجبون وأمرهم أعجب، يتعجَّبون { أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4] والعجيب حقاً أنْ يأتيهم رسولٌ من جنس آخر غير جنسهم، لذلك قال تعالى في موضع آخر:وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94]. كانوا يريدون الرسول مَلَكاً، ولو جاءهم ملَكٌ لجاءهم في صورة رجل منهم، ولو شخص لهم في صورة رجل لَظلَّتْ الشبهة قائمة، والحق سبحانه يردُّ عليهم:قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [الإسراء: 95]. وقال سبحانه:وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [الأنعام: 9]. إذن: لا بُدَّ أنْ يكون المرسَل من جنس المرسَل إليهم، لأن الرسول حامِلُ منهجٍ يُحققه، الرسول أُسْوة وقُدوة لقومه، وكيف تتحقق الأُسْوة بالملَك؟ والله لو جاء الرسول مَلَكاً لاعترضوا عليه، ولقالوا إنه مَلَك معصوم يقدر على ما لا نقدر نحن عليه، ثم إن المَلَك ليس له شهوة كشهوتنا.. الخ. إذن: العجب هو استغراب أنْ يكونَ الرسول واحداً منهم ومن جنسهم، إن كَوْنَ الرسول من بينكم هو الحجة وبه تتم الأُسْوة لذلك حينما يمتنُّ الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقول:لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ.. } [التوبة: 128] يعني: من جنسكم وليس غريباً عنكم، فهذه مَيْزَة لكم، إذن: عجبكم ليس له مكان. والجنس هنا ليس جنسَ الإنسان فحسب، إنما من نوعهم من العرب، بل من أوسطهم وهم قريش وأنتم تعرفونه قبل بعثته، وتعرفون أصله ونسبه لذلك يرد الله عليهم فيقول:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ.. } [يونس: 15] يعني: واضحات لا تُنكَرقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [يونس: 15-16]. نعم لقد عاش سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قومه أربعين سنة قبل بعثته، وكانوا يعرفون عنه كل شيء، إذن: العجب في النقيض، وليس في الواقع الذي يتعجبون منه. ثم يحكي الحق عنهم: { وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4] الساحر هو الذي يُخيّل لنا الأشياء فنراها على غير حقيقتها، لكنه لا يغير الحقيقة، فالسحر ليس في الشيء إنما في أعين الناس، كما قال تعالى:سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ.. } [الأعراف: 116]. لذلك هناك فرق بين السحر وبين معجزة سيدنا موسى عليه السلام، وقد كانت من جنس يقارب السحر لأنه سيعانده سَحَرة، ولما ألقى موسى عصاه فرآها السحرة تلقَفُ ما سحروا قالوا: آمنَّا برب موسى، وما ذلك منهم إلا لأنهم أيقنوا أن ما جاء به موسى ليس من قبيل السحر، فهُمْ يعرفون السحر جيداً، ويعرفون ألاعيب السحرة، وليس هذا الذي يروْنَه منها.

السابقالتالي
2