الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } * { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ }

تعلمون قصة النار التي أوقدوها، ثم ألقوْا بنبيِّ الله إبراهيم في وسطها، هذا هو الكيد الذي أرادوه بإبراهيم، وما كان الله تعالى ليبعثَ نبياً ثم يُسْلِمه، فردَّ الله كيدهم عليهمإِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً } [الطارق: 15-16]. ومعنى { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } [الصافات: 98] أي: في هذا المقام. وفي هذا الموقف الذي فعلوه بإبراهيم، فليسوا الأسفلين لأنهم كفار، إنما أسفلين لأنهم تعالَوْا على إبراهيم وتمكَّنوا منه، وقدروا على إلقائه في النار فعلاً وهي مشتعلة، وظنوا ساعتها أنهم هم العالون. لكن سرعان ما تكشفتْ حقيقة الموقف، وظهرتْ الآية الكبرى التي أرادها الله تعالى فلو أراد الله لَنَجا إبراهيم، فلم يتمكَّنوا من الإمساك به، ولو أراد سبحانه لأمطرتْ السماء على النار فأطفأتها، لكن أراد الله أنْ يُبطل حججهم، فلو هرب إبراهيم من أيديهم لَقالوا: لو لم يهرب لأحرقناه، ولو أمطرتْ السماء لقالوا: ظاهرة طبيعية لا دَخْلَ لنا بها. لكن ها هو إبراهيم، وها هي النار تشتعل، ومع ذلك ينجو إبراهيم بعد أنْ جاء نداء الحق وكلمة الحق للخَلْققُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69]. الخطاب من الله تعالى، والأمر للنار على طبيعتها، وبذات مواصفاتهاكُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً } [الأنبياء: 69] لا في ذاتك، إنماعَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69] فهذه خصوصية لهذه النار بالذات، فهي من ظاهرها مشتعلة، وفي حقيقتهابَرْداً وَسَلَٰماً } [الأنبياء: 69] على إبراهيم، فهي مثل شجرة الزقوم، تبدو لهم شجرةً خضراءَ، وهي نار تحرقهم. وهكذا جعلهم الله في هذا المقام { ٱلأَسْفَلِينَ } [الصافات: 98] أي: في الكيد الذي دبَّروه، فهم يكيدون والله يكيدُ، ولا بُدَّ أنْ يُؤْخَذَ الكيدُ من خلال فاعله.