الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } [الصافات: 83] أي: أن إبراهيم - عليه السلام - كان من شيعة سيدنا نوح. يعني: من أتباعه الذين تابعوه، وساروا على منهجه. والشيعة هم الذين يُشايعون الإنسان على فكره فيؤمنون به، بل ويحاولون أنْ يحملوا دعوته إلى الناس معه، وأنْ يتحمَّلوا الأذى في سبيل ذلك، ومن هنا سُمِّيَتْ الشيعة المذهب المعروف الذين شايعوا الإمام عليّاً رضي الله عنه، وتعلمون طبعاً الفرق بين الشيعة والشيوعية. لكن، لماذا بدأ الحق سبحانه هنا موكبَ الرسل بنوح - عليه السلام - ثم تبعه بإبراهيم - عليه السلام؟ يقول سبحانه: { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الصافات: 84] هذه هي العلة لأن سلامة القلب هي الأساسُ في الدين وفي العقيدة، لأن فطرة الله التي فطر الناسَ عليها ابتداءً مبنية كلها على هيئة الصلاح والسلامة، فإنْ طرأ على هذه الفطرة فسادٌ فمن الإنسان. لذلك مدح سيدنا إبراهيم بسلامة القلب { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الصافات: 84] وهو القلب الذي فطر عليه أولاً ظل كما هو لم يتغيَّر، فعاش به، وجاء به ربه في الدنيا، لذلك يظفر به في الآخرة:يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88-89]. فالسلامة الأولى التي فطره الله عليها استصحبها باستصحاب منهج الله، فسَلِم في الدنيا، فلقىَ اللهَ بقلْبٍ سليم في الآخرة، وهكذا وصف اللهُ نبيَّه إبراهيم على أحسن ما يكون الوصف. وتأمل كلمة { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ } [الصافات: 84] فهي تُوحي بأن سيدنا إبراهيم لم ينتظر إلى أنْ يأتي له رسولٌ يدعوه، إنما أقبل على الله بنفسه، وجاء بفكره يبحث ويتأمل في ملكوتِ السماوات والأرض، إلى أنِ اهتدى إلى الله. لذلك لما أراد الله تعالى أنْ يُعرِّف نبيه إبراهيمَ، وأنْ يُقدِّمه لمعشر الإيمان قال هذه البرقية الموجزة:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً.. } [النحل: 120]. تعلمون أن الحق سبحانه خلق المواهب ووزَّعها على الناس، فكلٌّ مِنَّا له موهبة في شيء ما، ذلك ليظلَّ الناسُ مترابطين ترابطَ حاجةٍ، فتحتاج لي وأحتاجُ لك، أما سيدنا إبراهيم فقد جمع وحاز كل المواهب التي في أمة كاملة، فالمعنىإِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [النحل: 120] يعني: حاز مواهب أمة. لذلك استحق - عليه السلام - أنْ يُريه الله ملكوتَ السماوات والأرض، فالناس جميعاً يكتفون بعالم المُلْك، أما هو فقد تجاوز هذا العَالَم إلى عالم الملكوت، لماذا؟ لأنه جرَّد نفسه عن شبهة اليقين بأحدٍ غيرِ الله، بدليل أنه لما أُلْقِى في النار وجاءه المَلَك يعرض عليه المساعدة: ألكَ حاجة؟ فيقول سيدنا إبراهيم بما لديه من رصيد الإيمان واليقين بالله أما إليك فلا. يقولها في هذا الوقت العصيب، وهذا الكرب المُلِمّ.

السابقالتالي
2 3