الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

يختم الحق سبحانه السورة بالسُّبحانية التي تُثبت التنزيه لله تعالى في ذات ليست كالذوات، وفي صفات ليست كالصفات، وفي أفعال ليست كالأفعال، فكل شيء له سبحانه ولخَلْقه فيه نسبة نأخذه في إطارلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11]. فالمعنى: { سُبْحَانَ رَبِّكَ } [الصافات: 180] أي: تنزَّه ربك عن كل نقص وعن كل مُشابهة، فالخَلْق ذواتٌ، لكن ليست كذاته سبحانه، ولهم وجود ليس كوجوده سبحانه، ولهم غِنىً ليس كغِنَاهُ، وحكمة ليست كحكمته.. إلخ. ومعنى { رَبِّ ٱلْعِزَّةِ } [الصافات: 180] كلمة رب تفيد التربية وهي تأهيل المربي لأنه ينجح في الغاية المنوطة به المطلوبة منه، ولكي تعده لا بُدَّ أنْ تعرف أولاً الغاية التي وُجِد من أجلها، بعد ذلك لا بُدَّ أنْ تكون لديك حكمة تحدد له المنهج الذي يوصله إلى هذه الغاية. إذن: مَنْ يحدد الغاية من وجود الإنسان؟ قلنا: إن الصانع من البشر هو الذي يحدد الغاية من صنعته أولاً، وقبل أنْ يشرع فيها فهل مخترع التليفزيون مثلاً صنعه ثم قال لنا: انظروا في أي شيء يمكن أنْ يُستعمل هذا الجهاز؟ لا بل حدَّد الهدف وحدَّد الغاية أولاً، كذلك غايتك أيها الإنسان لا يحددها لك إلا مَنْ خلقك. فصيانة الصنعة يقوم بها الصانع، كذلك صيانة الخَلْق لا تكون إلا بمنهج الحق. لذلك نقول: ما فسدت الدنيا إلا حين خرج الإنسان عن هذا الإطار، فحدَّد لنفسه الغاية، ووضع لنفسه منهج الحياة ونحَّى صانعه ومنهج صانعه جانباً، وقلنا: إن منهج الخالق للخَلْق مثل الكتالوج الذي به تُصَان الصنعة، وبه نصلح ما فيها من عطب، ويُشترط في واضح المنهج أن يكون من الدقة والحكمة بحيث لا يفوته شيء ولا يستدرك عليه، ولا نضطر إلى تعديل ما وضع، والخالق سبحانه هو الأعلم بعباده وصنعته، وهو الأعلم بما يصلحهم في الدنيا وفي الآخرةأَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14]. وإلا فلماذا يستدعينا الخالق سبحانه إلى خمس مرات في اليوم والليلة، ويجعل الصلوات فرضاً لازماً لا يسقط عن الإنسان بحال من الأحوال، لذلك شُرِعَتْ صلاة السفر وصلاة المريض، حتى أنه إذا اشتد عليه المرض صلَّى ولو بطرفة عينه أو بخاطر نفسه. وسبق أنْ قلنا في هذه المسألة: إنك حين تريد مثلاً مقابلة رئيس أو مسئول كبير، فلا بُدَّ لك من موعد مسبق وموافقة وإجراءات، بل ويحدد لك ما تقوله، ثم هو الذي يُنهي المقابلة.. الخ أما لقاؤك مع ربك فلقاء المحب الذي يترك لحبيبه أنْ يحدد وقت المقابلة ومكانها وموضوعها، ويترك له أنْ ينهيها متى أحبَّ، وأنْ يبدأها متى شاء، فإنْ أردتَ لقاء ربك فما عليك إلا أنْ تستعد له وتكبِّر: الله أكبر، كلمة تجعلك مباشرة في حضرة ربك عز وجل.

السابقالتالي
2