الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ }

إذن: هذه الحجارة حين يُحمَىَ عليها ليُعذَّب بها هؤلاء المشركون لا لأن لها ذنباً تُعاقَبُ عليه، إنما لها مقام معلوم، والتزام بتنفيذ أمر الله في المخالف: { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164]. يعني: قَدْر ومرتبة، فالملائكة درجات ومراتب، لا يحقد الأدنى على الأعلى ولا يزدري الأعلى الأدنى لأن المقام المعلوم الذي جعلهم الله فيه قدر لله تعالى، وهم يحترمون قدر الله في خَلْق الله، وهذا درس ينبغي أنْ نتعلَّمه، وأنْ يُراعي كل مِنَّا قدر الآخرين ومنزلتهم، فأنا حين أحترم الأعلى مني إنما أحترم قدر الله الذي جعله أعلى مني، وإنْ كان دوني في يوم ما، وقُلْنا إن العالم ليس مسألة ميكانيكا إنما خَلْق بقدر وبحكمة مرادة لله. فكيف نكون بنات الله؟ وكيف نُعبَد من دون الله ونحن مُسخَّرون لعبادته سبحانه ونحن جنود مصفوفون في انتظار أوامره تعالى { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } [الصافات: 165] أي: نقف صفوفاً منتظمة، والصف دليل الانتظام وعنوان الالتزام والانضباط لذلك ورد في الحديث: " إن الله لا ينظر إلى الصَّفِّ الأعوج " لماذا؟ لأنكم بين يدي الله سبحانه فأروا الله منكم ما يدل على المساواة والالتزام والترابط. وفي الحرب كذلك:إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [الصف: 4] وهذا التشبيه له دلالته، لأن البنيان المرصوصَ يعني أن اللبنة فيه ليس لها إرادة في الخروج عن الأخرى لأنها محكومة بالبناء الذي وُضِعَتْ فيه لذلك لما استعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوفَ في إحدى الغزوات رأى جندياً شَذَّ عن صَفه، فأشار إليه بعصاه أنْ يستوي بمثله، وأن ينضبط في صَفه. ثم يقولون: { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } [الصافات: 166] يعني كيف نرضى أنْ نُعبدَ من دون الله، ونحن ما خُلِقْناَ إلا لتسبيحه تعالى: { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً... }.