الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }

كلمة الجِنة بالكسر وكذلك الجنة بالفتح ومنها الجن ومجنون كلها مادة جنَّ وتفيد الاكتنان والستر و الجنة هنا هم الملائكة سُمُّوا بذلك لأنهم مستورون عَنّا فلا نراهم، وكذلك الجنة لأنها تستر مَنْ يسير فيها بكثرة أشجارها، أو تستر مَنْ فيها بتوفير كل احتياجاته، فلا يحتاج أنْ يخرج منها، وكذلك المجنون لأنه غاب عقلُه واستتر. والمعنى أنهم جعلوا بين الله تعالى وبين الملائكة نَسَباً حين قالوا: الملائكة بنات الله { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } [الصافات: 158] يعني: علمتْ الملائكة أن هؤلاء المشركين بالله مُحضَرون للعذاب، ومُحضَر اسم مفعول يعني: أُجبر على الحضور. ثم يردُّ الله عليهم مُنزِّهاً نفسه سبحانه عن مشابهة الخَلْق: { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 159] فكلمة سبحان الله نراها دائماً في كل شيء، يخرج الذات إلى مشابهة الخَلْق، والسبحانية لله أي: التنزيه لله موجود وثابت لله تعالى قبل أنْ يُوجد المنزِّه. فكلمة سُبْحانَ تعني: التنزيه المطلق لله قبل أنْ يخلق مَنْ يُنزهه، فلما خلق الله الخَلْق سبَّحهسَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الحشر: 1] وقال:يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [التغابن: 1] أي: ما يزال مُسبِّحاً في الحال والاستقبال إلى قيام الساعة. وما دامت هذه السُّبْحانية ثابتة لله تعالى قبل الخَلْق وبعده ودائمة في الماضي والحاضر والمستقبل، فإياك يا أشرف الخَلْق وأكرمه ومَنْ جعل الخَلْق كله من أجله ألاَّ تكون مُسبِّحاً أو تشذّ عن هذه المنظومة المسبحةسَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1] فمعنى { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 159] يعني: تنزَّه الحَقُّ سبحانه عن قَوْل هؤلاء المشركين وكذبهم، وتعالى سبحانه أنْ يكونَ بينه وبين الجِنَّة نسبٌ.