الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } * { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ } * { وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

قوله: { فَٱسْتَفْتِهِمْ } [الصافات: 149] كلمة استفتى أي: طلب الفُتْيا، مثل استخرج طلب الإخراج، واستفهم طلب الفهم، والفتية تعني منتهى القوّة، ومنها الفتى والفتوة. فمعنى: استفتى طلب ما يُقوِّيه في جهة الفتوى، فالذي لا يعرف قضية دينية مثلاً يسأل عنها ويستفتي يعني: بعد أنْ كان ضعيفاً في الدين، يطلب أنْ يصيرَ قوياً في أمر دينه، ومن ذلك قوله تعالى في سيدنا إبراهيم:سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [الأنبياء: 60]. وفي أهل الكهف:إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } [الكهف: 13]. يعني: لم يكونوا شيوخاً، وعجيبٌ أنْ يأتي الإيمانُ مع فتوة الشباب وعنفوانه، وهو مَظنَّة الشهوات والرغبات لذلك ورد في الحديث: " عَجِبَ ربُّكَ من شاب ليستْ له صَبْوة ". والحق سبحانه بيَّن لنا في مقاييس المجتمعات أنها لا تخلو عن اثني عشر نوعاً، سِتٌّ منها في المحبوبية، وستٌّ في المبغضين والعياذ بالله، المحبوبون منهم المحبوب والأشدّ حباً، والمبغضون كذلك منهم المبغّض والأشدّ بُغْضاً. يقول تعالى في الحديث القدسي: " أحب ثلاثاً وحُبي لثلاث أشدّ: أحبُّ الشيخ الطائع، وحُبِّي للشاب الطائع أشدّ، وأحب الغني الكريم وحُبي للفقير الكريم أشدّ، وأحب الفقير المتواضع وحُبي للغني المتواضع أشدّ ". هؤلاء الستة المحبوبون، وتستطيع أنت أنْ تأتي بالمقابل لهؤلاء، وهم المبغوضون والعياذ بالله. إذن: الشاب الطائع أكثر محبةً عند الله لأن عنده دواعيَ الشهوة ومبرراتها وعنفوانها، ومع ذلك تغلّب عليها وسلك طريق الطاعة على خلاف الشيخ الذي ذهبتْ شهوته وقَلَّتْ دواعيها عنده، كذلك الحال في الغني الكريم وفي الفقير المتواضع. هؤلاء الثلاثة يُمثِّلون قمة الرقي في المجتمعات، وقمة الخلافة في الأرض، وتصوَّر مجتمعاً شبابه طائعون، وفقراؤه كرماء، وأغنياؤه متواضعون. تحت هذا درجةَ مجتمع شيوخه طائعون، وأغنياؤه كرماء متواضعون ودون هؤلاء المبغضون، والعياذ بالله. فالمعنى { فَٱسْتَفْتِهِمْ } [الصافات: 149] يعني: اطلب منهم الفتوى التي تُقوِّيك في أمرك الجدلي لذلك نقول للمفتي الذي يقصده الناس للفتوى الناس يريدون أنْ تُقوِّيهم برأيك، فلا تذهب بهم ناحية المياسير لأنك بذلك تشجعهم على المياسير، فأنت إذن لا تُقويهم إنما تضعفهم، بل أعطهم الحكم الصحيح فهو القوة الحقيقية. لكن، لماذا يطلب الحق سبحانه من النبي أنْ يستفتي القَوْمَ؟ قالوا: لأن القضية حين تكون معلومة الحكم عند المتكلم يقول: أنا لا أقضي فيها، إنما خَصْمي هو الذي يقضي، لماذا؟ لأنك واثق أنه إذا أدار المسألة في ذهنه لن يجدَ إلا أن يقولَ ما تريده أنت، كما تقول لمن ينكر جميلك أنا راضٍ حكمك، ألم أقِفْ بجانبك يوم كذا وكذا؟ هكذا على سبيل السؤال لأنك واثق من الجواب. أما لو جاء الكلام منك خبراً، فالخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب لذلك ناقش الحق هذه القضية بهذا الاستفهام { أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } [الصافات: 149] هذا استفهام يحمل معنى الإنكار والتعجب، يعني: كيف تقولون ذلك لأنهم قالوا: الملائكة بنات الله ثم نسبوا لله سبحانه الولد.

السابقالتالي
2 3 4