الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

نلحظ في الأَخْذ، قالفَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } [الصافات: 142] فنسب الفعل للحوت، لكن هنا في النجاة نسب الفعل إلى الله، فقال { فَنَبَذْنَاهُ } [الصافات: 145] أي: ألقيناه وطرحناه { بِٱلْعَرَآءِ } [الصافات: 145] أي: في أرض فضاء واسعة { وَهُوَ سَقِيمٌ } [الصافات: 145] يعني: مريض أو مُتْعب من الضيق الذي عاناه في بطن الحوت، أو سقيم من التفكير فيما حدثَ من قومه، وفيما حدث منه، فهي تحتمل السقم المادي والمعنوي. ثم لم يتركه ربه بهذا العراء، بعد أنْ ألقاه الحوت في هذه الأرض الفضاء وهو مُتْعَب، وأشبه ما يكون بالطفل بعد ولادته، فأنبتَ اللهُ له شجرةَ اليقطين { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } [الصافات: 146] وهي شجرة عريضة الأوراق قالوا: هي شجرة القرع تستره وتُظِلُّه وتحميه من الذباب والحشرات لأنه خرج وحوله إفرازات من بطن الحوت تعوق تنفُّس جلده، وتعوق حالته الصحية، وتجعله لزقَ المزاج. لذلك لما سُئِل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شجرة اليقطين، قال: " هي شجرة أخي يونس ". والهاء في عَلَيهِ تعود على سيدنا يونس، وهذا يعني أن إنبات هذه الشجرة حدث بعد أنْ ألقاه الحوت في العراء، ولم تكُنْ شجرة اليقطين موجودةً في هذا المكان من قبل. إذن: فالتقام الحوت لسيدنا يونس - عليه السلام - كان رحمةً له من الله بدلَ أنْ يضيعَ في البحر الواسع وتتقاذفه الأمواج لا ندري أين تذهب به، أما الحوت فله إرادة ويمكنه الاحتفاظ به وإلقاؤه على البرِّ. فنحن أمام سلسلة من رحمات الله ليونس عليه السلام. وقوله تعالى: { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [الصافات: 147-148] كأن الحق سبحانه يقول لنا: إياكم أنْ تظنوا أن ما حدث من يونس يقدح في رسالته، أو يجعلنا نغير رأينا فيه كرسول، فهو مرسل إلى { مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] والمائة ألف هنا قد تكون كناية عن العدد الكثير لأن الألف قديماً كان منتهى ما يُعرف من العدد عند الناس. لذلك لما أرادوا أنْ يفدوا بنت كسرى أظن حين وقعت في الأسْر عرضوا على مَنْ جُعِلَتْ في سهمه من المسلمين كذا ألف فوافق، فقال له أصحابه بعد أنْ عقد هذه الصفقة: لماذا لم تطلب أكثر من ذلك، فهم قادرون على أنْ يفدوها بالمال الكثير؟ قال: والله لو أعلم أن وراء الألف عدداً لَقُلْتُ. وقوله تعالى: { أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] هل الحق سبحانه لا يعرف عدد هؤلاء القوم على وجه التحديد؟ نعم يعرفهم سبحانه وتعالى، ولو أراد لذَكَرهم لنا تحديداً، إنما قوله { أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] ليس للدلالة على الزيادة، إنما لتأكيد العدد السابق المائة ألف، كما أعطيت فلاناً حقه ويزيد، فأنت لا تتحدثُ عن الزيادة إنما تؤكد على العدد، وأنه غَيْرُ ناقص لأن الألفَ يُطلَق أيضاً على ما يقرب الألف مثل تسعمائة وتسعة وتسعين، إذن: فالزيادة هنا تؤكد تمام العدد.

السابقالتالي
2