الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ }

لقد استحقَّ سيدنا إبراهيم هذه المنزلة في جميع الأمم من بعده أنْ يُسلِّموا عليه، كلما ذُكِر، فيقولون { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الصافات: 109] فلو ذبح إبراهيم ولده لَصارتْ سنةً من بعده أنْ يتقرَّب الإنسان إلى الله بذبح ولده، لكن لما صبر سيدنا إبراهيم، واستسلم لأمر ربه جاءه الفرج من الله وعُوفي وولده من هذا البلاء، وعُوفينا جميعاً معه من هذه المسألة، فكلما ذُكِر قلنا: عليه السلام، لأنه حمانا من هذا الموقف الصعب. وقوله: { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [الصافات: 110] كذلك يعني كما فعلنا مع إبراهيم نجزي كل مُحسن، والمحسن هو الذي لا يقف عند حَدِّ الواجب المطلوب منه، إنما يتعدَّاه إلى الزيادة من جنس ما فُرِض عليه وكُلِّف به. فالحق سبحانه فرض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، فمَنْ زاد على ذلك فهو من الإحسان. الله فرض علينا الحقَّ المعلوم للفقير وهو الزكاة، فمَنْ زاد وأعطى غير المعلوم فهو من الإحسان، واقرأ في سورة الذاريات:إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [الذاريات: 15-16]. يعني: زائدين عما فرض الله من جنس ما فرض الله عليهم. ثم يذكر سبحانه حيثيات هذا الإحسانكَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [الذاريات: 17-19]. والمحسن يستحق هذا الجزاء لأن الذي يتقرَّب إلى الله بأكثر مما فَرَض الله عليه دليل على أنه عَشِق التكليف والمكلَّف، وعلم أن الله كلَّفه بأقلّ مما يستحق فزادَ.