الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } * { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } * { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } * { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ }

هذا الأسلوب يُسمَّى أسلوب القسم، الله تعالى هو المقْسِم يُقسِم على { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } [الصافات: 4] وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بمراده تعالى في القسم، فالله يريد منَّا إنْ أقسمنا أَلاَّ نُقسِم إلا به سبحانه، لكن بالاستقراء رأينا أنَّ الحق سبحانه يقسم بخَلْق من خَلْقه، فيُقسِم بالملائكة، ويُقسِم بالحيوان، ويُقسِم بالجبال، ويُقسِم بالفجر.. الخ. قالوا: لأن الله تعالى يقسم بما يشاء على مَنْ يشاء، أمَّا أنت فلا تقسم إلا بالله، لأن القَسَم تعظيمٌ للمقْسَم به، وينبغي ألاَّ يكون مُعظّماً عند المؤمن إلا الله، ولا يصح أنْ تقول وحياة فلان، ورأس علان فإنْ كنتَ حالفاً فلتحلف بالله، كما جاء في الحديث الشريف: " مَنْ كان حالفاً فليحلف بالله ". فإذا ظهر ما يكون ظاهره قَسَماً بغير الله، فاعلم أنه لا يُعَدُّ قَسَماً، وخصوصاً إنْ جاء من عالم أو يقيني كأنْ يقول: وحياة أبوك يا فلان تعمل كذا وكذا، هذا ليس قَسَماً، إنما هو مساءلة. القسَم: أنْ تُقسم على شيء، حدث أو لم يحدث، إنما طَلَبُ الشيء يسمى مساءلة، كذلك يقول الحق تعالى:..ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } [النساء: 1] أي: وبالأرحام في قراءة من جر الأرحام. والحق سبحانه يقسم بما يشاء على مَنْ يشاء، وأنت لا تقسم إلا بالله لأن الشيء قد يكون تافهاً في نظرك، ولكنه عند خالقه عظيم، وله مهمة تغفل أنت عنها، وحين يحلف الله به إنما يُلفِت نظرك إلى أهميته ودوره، فمثلاً لما فَتَر الوحي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلتفت الكفار إلى الحكمة من ذلك. والحكمة أن الوحي كان يَثْقُل على رسول الله، حتى يبلغ منه الجهد، وحتى أن جبينه ليتفصَّد عرقاً، وإن نزل الوحي عليه وهو على دابة فإنها تئِنُّ وتنخُّ به ذلك لأن الوحي ثقيل. كما قال سبحانه:إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5]. فجاءت فترة انقطاع الوحي رحمةً برسول الله، وتسريةً عنه، وتخفيفاً من معاناته، ثم ليشتاق هو إلى الوحي يعاوده من جديد، لم يلتفت الكفار إلى ذلك، وقالوا: إن رب محمد قَلاَه يعني: تركه وهجره وجفاه، وواضح ما في هذا القول من تناقض، فعند الإيمان يُكذِّبون بمحمد ورب محمد، وعند الجفوة يقولون: إن رب محمد قلاه، ويعترفون أن له رباً!! لذلك أراد الحق سبحانه أنْ يوضح لهم هذه المسألة، وأنْ يُظهر غباءهم بهذا المقَسَم الذي جاء مناسباً للموقف، يحمل إشارة لطيفة إلى العلاقة بين المُقْسَم به، والمقْسَم عليه، فقال سبحانه:وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى: 1-5].

السابقالتالي
2 3 4