الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ }

قوله سبحانه: { أَوَلَمْ يَرَ } [يس: 77] بمعنى يعلم لأن الإنسان لم يَرَ عملية الخَلْق في نفسه، فإنْ قلتَ: فمَنِ الذي أعلمه؟ ومَنِ الذي عرَّفه أن الله هو الخالق؟ قالوا: عرف الإنسانُ هذه الحقيقة لأن في الكون كمالاً لم يدَّعه أحدٌ من الخَلْق، ثم فوجئت الدنيا برسول الله يخبر بأن الله تعالى هو الخالق، ولم يعارض أحد، فهذه إذن دَعْوى ليس لها معارض ولا مناهض، مع أن الإنسان كثيراً ما يدَّعي ما ليس له، لكن هذه الدعوى بالذات لا يستطيع أحد أن يدعيها لنفسه. والقاعدة أن الدعوى تثبت لصاحبها ما لم يَقُمْ لها معارض، وإلا لو أن هذه الدعوى لم تسلم للخالق عز وجل، فأين الخالق؟ لماذا لم يعارضها، ولماذا لم يطالب بحقه في الخَلْق؟ إما أنه جَبُنَ عن المواجهة، أو أنه لم يَدْرِ بهذه الدعوى، وفي كلتا الحالتين لا يستحق أن يكون إلهاً. ونلحظ على سياق هذه الآيات أن الحق سبحانه قال في الآيات السابقة:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } [يس: 71] وهنا قال: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ } [يس: 77] فخاطب الإنسان، ولم يخاطب الجماعة، قالوا: لأن هذه الآية " نزلت في أُبَيِّ بن خلفٍ حين أمسك بعظم بَالٍ، وراح يُفتِّته أمام رسول الله ويقول: أتزعم أن ربك يحيي هذا مرةً أخرى؟ قال: " نعم يُحييك، ويُدخلك النار " " ، أو يُراد بالإنسان مطلق الإنسان، فهي لكل مُكذِّب بالبعث ممَّنْ هم على شاكلة أُبيٍّ. وقوله سبحانه: { مِن نُّطْفَةٍ } [يس: 77] العلم التجريبي لم يصل إلى شيء في مسألة الخَلْق هذه إلا مؤخراً، يحاول على استحياء كشف بعض أسرار خَلْق الإنسان مما لم نكُنْ نعرف عنها شيئاً من قبل، والنطفة هي الجوهر والميكروب أو الجرثومة الفعَّالة التي تسبب الإخصاب حين تصل إلى البويضة، وهذه النطفة تسبح في سائل هو المني وتعيش فيه لذلك قال تعالى في آية أخرى:أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } [القيامة: 37]. وقد أثبت العلم التجريبي الحديث أن النطفة هي المسئولة عن تحديد الذكورة أو الأنوثة، والبويضة ما هي إلا وعاء فقط. إذن: لا دَخْلَ للمرأة في هذه المسألة، بدليل قول الله تعالى:أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [القيامة: 37-39] أي: من النطفة، وقلنا: إن من العجيب أن المرأة العربية قديماً فطنَتْ إلى هذه الحقيقة التي لم يتوصّل إليها العلم إلا حديثاً. أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه، المسألة: " إذا غلب ماءُ الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا غلب ماء المرأة نزع الولد إلى أمه "

السابقالتالي
2 3