الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ }

الحق سبحانه وتعالى سطَّر أزلاً كلَّ ما يكون من مُسْتقبِلي أيِّ دعوة دينية المؤمنين بها والكافرين، لكنه سبحانه ترك للناس الاختيار، وكَوْنه تعالى يسجل ما سيحدث من الناس، ثم يأتي الحدث منهم وفْق ما سجَّل، هذا يعني أن ما قاله قديماً حقٌّ. والقرآن يقول مرة { حَقَّ ٱلْقَوْلُ } [يس: 7]، ومرةسَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } [هود: 40]، ومرةوَقَعَ ٱلْقَوْلُ } [النمل: 82]. وكلها تدل على أن ما سبق في علم الله من الإخبار عن مختار اختار الهدى أو الضلال مُسجَّل عنده تعالى، وهو حق كما أخبر الله به، ولو كان العبد غير مختار لَقُلْنا: إن الله قهره على ما أراد، لكنه مختار. والحق سبحانه له طلاقة القدرة وطلاقة العلم، فلعلمه تعالى بما سيكون سجل وكتب، وقد أوضحنا هذه المسألة في كلامنا عن أبي لهب:تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1] فقد كان بوسع أبي لهب حين سمع هذه الآية أنْ ينطق بكلمة الإيمان ولو نفاقاً، وله إذن أنْ يتهم القرآن وأنْ يُكذِّبه، لكنه لم يفعل وظَلَّ على كفره حتى صَدَق فيه إخبار الله مع أنه مختار. كذلك في قوله تعالى:وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } [المجادلة: 8] وعجيب منهم بعد أنْ فضحهم القرآن، وأخبرهم بما يدور في نفوسهم ألاَّ يؤمنوا به، وألاَّ يسألوا أنفسهم مَنِ الذي أخبر محمداً بما في نفوسنا، ولو لم يكُنْ منهم هذا القول في أنفسهم بالفعل لواجهوا محمداً، ولقالوا: لم يحدث منا هذا. لذلك الذين أنكروا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مع إخباره بمغيبات لا تقع عليها عقول البشر أنكروا رسالته، ولكنهم أرادوا أن يُثبتوا له فوق الرسالة أنه إله يخبر بالشيء قبل حدوثه، فهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنا رسول وهم يريدونه إلهاً. القول السابق وقع على هؤلاء لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم يكذبون ويعاندون { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [يس: 7] لذلك يقولون: إن للملائكة تعجباً، قالوا: وما تعجُّب الملائكة. قالوا: ساعة تقع في كون الله حركةٌ يجدون خبرها عندهم في الكتاب، فيقولون: ما أعلم ربنا وأقدره، يعني: ما أخبر الله به، وقع كما أخبر تماماً، مع أن العباد لهم حرية الاختيار. ولما حاول الفلاسفة عَرْض هذه المسألة: { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [يس: 7] قالوا: الحق سبحانه وتعالى حين ترك الأمر للمكلَّف بالاختيار لأن الإنسان نفسه قَبِل أنْ يكون مختاراً لم يلزمه الله بشيء، على خلاف السماوات والأرض والجبال، فقد رفضتْ هذا الاختيار، واخترت أن تكون مُسخَّرة لله، مقهورة لإرادته سبحانه. يقول تعالى:إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

السابقالتالي
2 3 4