الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

نلحظ هنا نقلة في سياق هذه الآيات، فما العلاقة التي نقلتنا من الكلام عن الآخرة وجزاء الكافرين المجرمين إلى الحديث عن سيدنا رسول الله؟ نعرف أن المقاصد الأصلية للتديُّن هي أولاً: توحيد الله، ومعنى التوحيد لله تعالى أن تشهد أنه واحد أحد، ولكل من الوصفين معنى لا يؤديه الآخر، فلكل منهما ما صدق، فمعنى واحد أي: من حيث الوجود هو واحد لا فرد آخر معه. أمَّا أحد فيعني أنه في ذاته سبحانه ليس مُكوَّناً من أجزاء، فالإله أحَد في ذاته، لم تجتمع عدة أشياء في تكوينه، ذاته لا ترتكن إلى شيء، فمثلاً حين تأخذ الشيء الواحد كالكرسي مثلاً، الكرسي في وجوده كرسي واحد، لكنه ليس واحداً، لأنه مُكوَّن من عدة أشياء، مُكوَّن من الخشب والمسامير والغِراء و البوية.. الخ فهو واحد ليس أحداً، أما الحق سبحانه فلاَ بُدَّ أنْ يُوصفَ بالوصفين معاً، فنقول: هو سبحانه واحد أحد لأن لكل منهما معنىً. ومسألة الواحدية مسألة عملية عقلية لأن الله تعالى أعلن أنه الإله الحق، وأنه واحد لا شريك له، وأنه هو الخالق وحده، وهو الرازق، وهو الذي يستحق وحده أن يُعبدَ، هذه دعوى لم يَقُمْ لها معارض، والدعوى تثبت لصاحبها إلى أنْ يدَّعيها آخر، ونحن لم نَرَ أحداً ادَّعى الخَلْق لنفسه. فلو كان معه سبحانه إله آخر أو آلهة أخرى فأين هم؟ لماذا لم يطالبوا بحقهم في هذه المسألة؟ أو أنهم سكتوا عنها أو لم يَدْرُوا بها؟ وعلى أيِّ حال من هذه الأحوال لا يصلحون لأَنْ يكونوا آلهة لذلك يناقش القرآنُ هذه المسألة بكلام منطقي:قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [الإسراء: 42]. إذن: فالتوحيد هو الأساس الأصيل للدين، لكن لا أعرف بالعقل مطلوبَ الإله مني، لا بُدَّ أن يُبعَث لي رسول يخاطبني بمطلوب ربي مني، إذن: لا بُدَّ من رسول. وهذا هو المقصد الثاني للدين. وخطاب الحق للخَلْق طاقة كمال مطلق والبشر نقص مطلق لذلك لا بُدَّ في هذا الخطاب من واسطة تستطيع التلقِّي عن هذا الكمال المطلق، وتستطيع التبليغ إلى الأقل كمالاً، وهكذا تتدرج المسألة، فالله تعالى يخاطب الملائكة، والملائكة تخاطب الرسل، والرسل يخاطبون الناس. فلا بُدَّ من الرسالة وهي المقصد الثاني للدين، والرسول هو الواسطة بين الخالق والخَلْق، والرسول ليس مُبلِّغاً فحسب، إنما مُبلِّغ وأُسْوة سلوك وتطبيق، كما قال سبحانه:لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21] ولو كان الرسول مَلَكاً لما تحققتْ به الأسوة، ولا يمكن أنْ أُحمل على مطلوب الرسول إلا إذا كان الرسول من جنسي. لذلك يقول تعالى موضحاً هذه القضية:

السابقالتالي
2 3 4 5