الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ }

الإنذار: التخويف من معطب مهلك، ويشترط أنْ يكون الإنذار قبل وقوع الشيء ليؤدي الإنذار مهمته في أنْ يردع الإنسان عنه، فلا يقع في أسباب الهلاك، ويستطيع أنْ يحتاط لنفسه، وأن ينجو بها. ومعنى { مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } [يس: 6] ساعة تسمع ما تظن أنها نافية، كذلك قال المفسرون. قالوا: لأنهم كانوا أي: الآباء أهل غفلة، وعلى فترة من الرسل، فلم يكُنْ لهم رسول ينذرهم. فإنْ قُلْنا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرسل نذيراً للناس كافة، بمن فيهم من اليهود والنصارى قالوا: لا، ليس نذيراً لنا، فقد جاءنا نذير من قبله، جاءنا موسى وجاءنا عيسى. وحَلُّ هذا الإشكال أن نقول: نعم موسى عليه السلام أنذر قومه، وعيسى عليه السلام أنذر قومه، لكن مرَّتْ عليهم جميعاً فترات احتلفوا فيها وضَلُّوا، ولم يأْتِ لهم نذير يردُّهم عن ضلالهم، إذن: جاءكم النذير، لكنكم لم تستمروا على نذارته، وها هو محمد صلى الله عليه وسلم جاءكم نذيراً جديداً. أو: أن ما هنا بمعنى اسم موصول أى: لتنذر قوماً بالذي أنذر به آباؤهم، كما أُنذِر آباؤهم من قبلهم. يعني: لستَ بِدْعاً من الرسل. وقوله: { فَهُمْ غَافِلُونَ } [يس: 6] الغفلة أن يوجد شيء كان بخاطرك، ثم لم يتعلَّق قلبك به حتى يدخل في مرتبة النسيان، فلا تذكره إلا حين يأتي مَنْ ينبهك إليه، ويُذكِّرك به، والنسيان ليس وظيفة القلب، إنما وظيفة العقل والذاكرة، فلو أن القلب مُتعلِّق بالشيء، فكلما طرأتْ عليه غفلة تعلَّق القلبُ بها يسدها، فتظل في الذاكرة لا تغفل عنها.