الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }

قوله تعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } [يس: 55] الصاحب هو المنتقَى والمختار من جنسك لتصاحبه ولا تفارقه، فكأن الجنة أُخْرِجت مخرج العقلاء الذين يُصاحِبون ويُصَاحَبون، ذلك لأن الجنة كانت في بالهم وفي أذهانهم، فهم متعلقون بها وهي شُغُلهم الشاغل، فَلَهُم صحبة بالجنة، وللجنة صحبة بهم، فكلما أقدموا على خير تذكَّروا الجنة فرغبوا فيه، وكلما أقدموا على شر تذكروا النار فانصرفوا عنه. أو: أن الصاحب هو المالك للشيء، فكأن الجنة مِلْك لهم، ملكوها وحازوا مفاتيحها بما قدَّموا من العمل الصالح. ومعنى { ٱليَوْمَ } أي: يوم القيامة { فِي شُغُلٍ } [يس: 55] أي: نعيم يشغلهم عن أيِّ شيء آخر أو: في شُغُل عن معارفهم وأقاربهم الذين دخلوا النار والعياذ بالله، كما قال سبحانه:وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } [لقمان: 33] فهم في نعيم يشغلهم عن كل هؤلاء، فكأنهم لا يعرفونهم. { فَاكِهُونَ } يقال: فَاكِه وفَكِه يعني: متلذذ ومُتنعِّم. ومنها: الفاكهة، فهي ليست من الضروريات إنما من التفكُّه والتلذذ. وقوله سبحانه: { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } [يس: 56] أذكر أنني لما قرأتُ هذه الآية على الإخوان ضرب واحد منهم على صدره - وكان شيخاً وقوراً - ضرب على صدره بعنف وانفعال، وقال: يا خرابي، يعني فلانة هتجيلي تاني لأنه رأى في زوجته ما يُنفِّره منها، فتعجب أنها ستصاحبه حتى في الآخرة وفي الجنة، فقلنا له: يا شيخ أنت تكره في زوجتك أشياء لكن لها مع الله أعمال طيبة، تجعلها أهلاً للجنة، فعملها الطيب مع الله يلغي عملها السيىء معك. وربما كنتَ أنت حادّ المزاج، أو طماعاً وعينُك زائغة لأن الله تعالى قال في الحياة الزوجية:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21]. فالحياة الزوجية في بدايتها سَكَن، حيث يسكن كلٌّ منهما إلى الآخر ويرتاح في حضنه، ثم إذا تغيَّرتْ الأوضاع وَزَهد أحدهما في الآخر أو ظهر منه ما يُنفِّر كانت المودة، فإذا ما أصابهما الكِبَر والعجز فليرحم كل منهما عَجْز الآخر، بما جعله الله بينهما من صفة الرحمة، فالحياة الزوجية في هذه الحالة معيشة تراحم قبل كل شيء. ثم إن هذه الزوجة التي تنقم منها بعض الصفات، وتنفر من تصرفاتها لن تأتي في الآخرة على هذه الصورة التي تكرهها، إنما ستأتي على صورة جديدة كما قال سبحانه:وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [آل عمران: 15] فالله سيطهرها مما كنتَ تأخذه عليها. ومعنى: { فِي ظِلاَلٍ } [يس: 56] أي: لا شمسَ هناك، ولا حَرَّ يؤذيهم، والظل معروف ألِفه المكلَّفون في الدنيا، وإليه يفيئون في حَرِّ الشمس، فهو أمر مألوف لهم، أما في الآخرة فهي ظلال يُمتَّعون فيها، أو في ظل الله كما ورد في الحديث الشريف:

السابقالتالي
2