الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يسۤ } * { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ }

يس يصح أنْ تكون حروفاً مُقطَّعة مثل الم و طه، ويصح أنْ تكون حروفاً مُقطّعة صادفتْ اسماً لذلك من أسمائه صلى الله عليه وسلم: يس وطه، ولا مانع أن يكون الاسم على حرفين، بل على حرف واحد مثل ن في قوله تعالى:نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [القلم: 1] وقد جُعِل عَلَماً على سيدنا ذي النون عليه السلام، كذلك ق أصبح عَلَماً على الجبل المعروف. إذن: هذه حروف مُقطَّعة، يمكن أنْ تُنقل إلى العَلَمية، ويُسمَّى بها. وكثيراً ما تحدَّثنا عن الحروف المقطَّعة في أوائل السور، وكلما مَرَّ بنا حروف مُقطَّعة لا بُدَّ أنْ نتحدث عَمَّا تحتمله من المعاني، والذي يثبت في الذِّهْن أن الحرف له اسم ومُسمَّى، اسم الحرف لا يعرفه إلا المتعلم، أما مُسمَّى الحرف فيعرفه المتعلم ويعرفه الأمي، الأمي مثلاً يعرف الفعل أكل ويقول: أكلتُ، لكن لا يستطيع أنْ يتهجَّى حروفه لأنه لا يعرف إلا مُسمَّى الحروف، أما المتعلم فيعرف اسم الحرف فيقول: ألف فتحة، وكاف فتحة، ولام فتحة. فكيف إذن عرف محمد صلى الله عليه وسلم أسماء هذه الحروف ونطق بها، وهو الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة؟ الجواب: أنه عُلِّم وعُرف من ربه عز وجل. والقرآن جاء معجزة يتحدَّى القوم فيما نبغوا فيه، والعرب كانوا أهلَ فصاحة وبيان، ويكفي أنهم كانوا يقيمون المعارض والأسواق للكلمة، كما نقيم نحن الآن المعارض للصناعات المتميزة، ومعروف عند العرب سوق عكاظ وسوق المربد والمجنة.. الخ. وقد بلغ من اهتمامهم بالكلمة والأسلوب أنْ يُعلقوا القصائد الشهيرة عندهم على الكعبة، وسُمِّيت هذه القصائد " المعلَّقات " ، وهي أشهر ما عُرِف من الشعر الجاهلي. وكَوْن القرآن يتحداهم هذه شهادة لهم بالتفوق، فالضعيف لا يُتحدى بل القوى، كما نرى الآن مثلاً في تحطيم الرقم القياسي في مجال من المجالات. وتحدِّي القرآن للعرب في الفصاحة والبلاغة مثل تحدَِّي سيدنا موسى للسحرة، وتحدِّي سيدنا عيسى للأطباء، إذن: هذه سنة متبعة في جميع الأمم يتحداها الحق سبحانه بما نبغوا فيه. كذلك القرآن الكريم جاء بلغة العرب وحروفهم وكلماتهم التي ينطقون بها، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله، لماذا مع أن مادة الكلام واحدة؟ قالوا: لأن المتكلم بالقرآن هو الحق سبحانه. وقد أوضحنا هذه المسألة بمَثَل - ولله المثل الأعلى - قُلْنا: لو أردتَ اختبار مجموعة من عمال النسيج أيُّهم أمهر لا يصح أنْ تعطي أحدهم مثلاً حريراً، وآخر قطناً، وآخر صوفاً لأن المادة الخام مختلفة، إنما تعطي الجميع مادة واحدة، ثم تنظر في نسيج كل منهم، كذلك القرآن ولغة العرب، المادة واحدة لكن المتكلم هنا العرب، والمتكلم هنا الحق سبحانه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8