الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً }

الاستفهام في { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ.. } [فاطر: 44] استفهام يفيد التعجُّب، يعني: كيف يكون منهم هذا { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [فاطر: 44] أي من المكذِّبين الذين أخذهم الله { وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [فاطر: 44]. كما قال سبحانه في موضع آخر:وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138]. نعم، كانوا في حركة حياتهم وفي أسفارهم يمرُّون على قُرى عَادٍ وثمود، وقوم لوط وقوم صالح.. الخ وكانوا يروْنَ آثارهم وما حَاق بهم من الدمار والخراب بعد أنْ كذَّبوا رسلهم، وكانوا أصحاب حضارات وعمارة وقصور لا مثيل لها. كما قال سبحانه:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [الفجر: 6-14]. والعجيب أن أصحاب هذه الحضارات التي جابت سمعتُها الآفاق لم يستطيعوا أن يضعوا لحضاراتهم ما يصونها من الاندثار. ولنا ملحظ في قوله سبحانه: { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [فاطر: 44]. فمنذ عهد قريب كنا نعتقد أن السير في الأرض يعني على الأرض لأننا نسير عليها لا فيها، إلى أن اكتشفنا أن الأرض فيها الأقوات، وسيد الأقوات الهواء، بدليل أنك تصبر على الماء لعدة أيام، وتصبر أكثر منها على الطعام، لكنك لا تصبر على الهواء إلا بمقدار شهيق أو زفير، لو حُبس عنك لفارقتَ الحياة. وعرفنا أن هواء الأرض من الأرض لذلك يدور معها ويرتبط بها إذن: نحن بهذا المعنى لا نسير على الأرض، إنما نسير فيها، حتى الذي يحلق بالطائرة في طبقات الجو العليا أيضاً يسير في الأرض لأن الهواء من الأرض، وهو أصل قوامها نفساً وقوتاً. وليتأكد لك أن الهواء سيد الأقوات، إجر هذه التجربة، خذ إصيصاً أو برميلاً مثلاً وضَع فيه تربة زراعية بوزن معين، وازرع فيه شجرة مثمرة كالموز مثلاً، وبعد فترة زِنْ الثمار التي أخذتها من الشجرة وزِن ما نقص من التربة، وسوف تجد أن التربة نقصتْ بمقدار خمسة بالمائة، أما نسبة الخمسة والتسعين فمن الهواء. فكأن الهواء هو المغذِّى الأساسى للنبات لذلك نقول: إنه الأصل فى القوت، على خلاف ما كنا نعتقده من أن التربة هي الأصل في القوت، لذلك يشير القرآن إلى هذه المسألة، فيقول سبحانه:وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [المائدة: 66] فذكر الفوقية قبل التحتية. الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ.

السابقالتالي
2 3