الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً }

الخطاب في قل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [فاطر: 40] يعني أخبروني عنهم، وليست مجرد استفهام عن الرؤية كما لو قُلْتُ لك: أرأيتَ فلاناً أمس؟ تقول: نعم أو لا، أما هنا فالمراد الإخبار عن الحال وطلب منهم هم أنْ يخبروا عن حال شركائهم الذين عبدوهم من دون الله، وجعلهم هم أنفسهم حَكَماً في هذه المسألة. { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [فاطر: 40] يعني: أخبروني إنْ كانوا هم انفردوا بالخَلْق { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [فاطر: 40] يعني: شاركوني الخَلْق وكانت أيديهم بيدي يخلقون معي { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ } [فاطر: 40] كتاباً يبيح لهم الشرك، ويكون حُجَّة لهم في شركهم. والحق سبحانه وتعالى يشرح لنا هذه القضية في موضع آخر، فيقول سبحانه:مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [الكهف: 51]. فالحق سبحانه لا ينفي مشاركتهم له سبحانه في الخلق فحسب، إنما ينفي مجرد مشاهدتهم لهذه المسألة، فليس لهم عِلْم بالخَلْق ولا صلةَ لهم به، ولا يستطيعون أنْ يخبروا كيف خُلِقت السماواتُ والأرض، ولا كيف خُلِقوا هم أنفسهم. ثم يقول سبحانه { بَلْ } [فاطر: 40] وهي إضراب عن الكلام السابق، وإثبات للحكم بعدها { إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } [فاطر: 40] وإنْ هنا بمعنى ما النافية، يعني: ما يَعِد الظالمون بعضهم بعضاً إلا غروراً، والغرور هو الخداع الذي يُلبِس الباطلَ ثوبَ الحق ليجذب إليه، ويزخرفه لهم ليغرَّهم به. ومن ذلك قول الله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [الانفطار: 6] يعني: ما أغراك بمعصيته؟ وما شجَّعك على عصيان أوامره؟ وكأن الحق سبحانه يُعلِّمنا الرد بقوله تعالى الكريم فالذي غرَّنا بالله كرمه وفضله. فالمعنى: بل كل هذا باطل، فشركاؤهم ما خلقوا شيئاً، وما شاركوا في خَلْق شيء، ولا آتيناهم كتاباً يكون حُجَّة لهم، كل هذا خداع منهم وزخرفة، والحقيقة أنهم يَغُرُّ بعضهم بعضاً، ويخدع بعضهم بعضاً بهذه الأباطيل. ثم يقول الحق سبحانه: { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ... }.