الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً }

معنى: { خَلاَئِفَ } [فاطر: 39] خلفاء: يخلف بعضكم بعضاً. وفي آية أخرىإِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً.. } [البقرة: 30] أي: خليفة لله في أرضه لذلك وهبنا الله صفاتٍ من صفاته سبحانه، لنباشر بها مهمتنا في الأرض، فإنْ وجدت فينا قدرة على العمل فهي من قدرة الله، وإنْ وجدت في تصرفاتنا حكمة فهي فيض من حكمة الله، وإنْ وجدت فينا عزة فهي من عزة الله.. الخ. هذا هو معنى الخلافة لأن الإنسان حين يتأمل ذاته يجد أن كلَّ ما فيه موهوب له من خالقه سبحانه، ليس ذاتياً فيه. وسبق أنْ قلنا مثلاً: إنك لمجرد إرادتك أنْ تقوم من مكانك تجد نفسك قد قُمت دون أن تعرف ماذا حدث في أعضائك وعضلاتك، وكيف صدرت الأوامر لهذه العضلات أنْ تتحرك، هذه في الحقيقة صفة من صفات الخالق سبحانه وهبك شيئاً منها، بدليل أنه سبحانه إنْ سلبك هذه القوة لا تستطيع القيام، وقد سلبها بالفعل من غيرك ليبين لك أن قوتك ليست ذاتية فيك، فلا تغترَّ بها. تلحظ مثلاً بعد تطور الصناعة أن العلماء استخدموا حركات البشر في صناعة الأوناش والبلدوزرات فترى الحركة الواحدة تحتاج إلى عدة حركات من الآلة، وتحتاج إلى أنْ يضغط السائق على زِرٍّ معين لهذه الحركة، أما أنت فلا تحتاج فى حركة أعضائك إلى شيء من هذا. فبمجرد أن تريد الفعل تفعله وتتفاعل معك أعضاؤك وعضلاتك، وتؤدي لك ما تريد منها دون أن تشعر أنت بشيء، فإذا كنتَ أنت وأنت مخلوق لله تعالى حين تريد شيئاً تفعله دون أنْ تأمر عضواً من أعضائك، ولا عضلة من عضلات جسمك، فما بالك بالخالق سبحانه؟ أتنكر أنه سبحانه يقول للشيء كُنْ فيكون؟إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82]. أنت حينما تريد حركة لا تأمر شيئاً من أعضائك، لأنك لا تعرف أيَّها تأمر، فالأعضاء والعضلات والأعصاب أشياء متداخلة، ولا تدري أنت ما يدور بداخلك لتؤدي هذه الحركة لذلك سوَّاك الخالق سبحانه على صورة تنفعل لك أعضاؤك بمجرد إرادتك، أما الخالق سبحانه فيأمر الأشياء ويقول لها: كُنْ. لأنه سبحانه يعلم الآلة التي تتحرك. وأيضاً الخالق سبحانه لم يترك لك أمراً على جوارحك، إنما ذلَّلها لك وطوَّعها لإرادتك لأنك لا تضمن إنْ أمرتها أنْ تطيعك وتستجيب لك، أمّا الخالق سبحانه فإن أمر الأشياء أطاعته، بدليل أن الإنسان حين يُسْلَب القدرة على الحركة، أو حين يصيبه هذا المرض والعياذ بالله يريد أنْ يحرك أصبعاً من أصابعه فلا يستطيع. والحق سبحانه وتعالى قبل أنْ يستدعي الخليفة إلى الوجود خلق له قبل أن يخلقه، وضمن له قُوتَه ومُقومات حياته وضرورياتها إلى قيام الساعة، ثم ترك للعقول أن تعمل، وأن تستنبط من الضروريات ما يُترف الحياة ويثريها.

السابقالتالي
2