الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }

اللام في { لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } [فاطر: 36] تفيد الملكية والاختصاص، كما نقول: فلان له كذا وكذا، فكأنهم يتعلَّقون بها، وهي تتعلق بهم تعلُّق المالك بالمملوك، وساعةَ يدخلونها والعياذ بالله يودُّون الخلاص منها ولو بالموت، على حَدِّ قول الشاعر:
كَفَى بكَ دَاءً أنْ تَرَى الموْتَ شَافِياً   وحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنَّ أَمانيا
نعم: يتمنَّوْنَ الخلاص ولو بالموت، لكن هيهات لهم ذلك، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى في موضع آخر:وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77] فالموت ليس عذاباً، بل هو بالنسبة لهم راحة من عذاب أشدّ وأبْقى. وأذكر أن بعض المستشارين ادعى أن كتاب الله ليس فيه دليل على رَجْم الزانية المحصنة، واستدل على ذلك بقوله تعالى في الإماء:فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25]. على اعتبار أن الرجم لا يتجزأ ليكون فيه نصف رجم، وما دام الرجم لا يتجزأ فلا رجمَ إذن. فربنا سبحانه وتعالى ألهم وقلنا والحمد لله: علينا أن نحدد أولاً ما العذاب؟ العذاب: إيلام حَيٍّ، وإذا ما جمعنا آيات القرآن في الموضوع بعضها إلى بعض، وَضُحَتْ لنا الصورة وظهر المعنى، فالله يقول في قصة هدهد سليمان عليه السلام:لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ } [النمل: 21] إذن: الموت أو الذبح أو القتل ليس عذاباً. والرجم إماتة، والإماتة إنهاء للعذاب. والحق سبحانه وتعالى حين قال هذا النص شاء الله سبحانه أن يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم بياناً بهذا النص، وفَرْق بين حكم تأخذه بالنص، وحكم تأخذه بالتطبيق الفعلي من المشرِّع صلى الله عليه وسلم لأن النص يمكن لك أنْ تؤوله، أما التطبيق الفعلي من رسول الله فلا تأويلَ فيه، وقد ثبت أن رسول الله رجم بالفعل. ولو كان الأمر كما يدَّعي المستشار لكانت الآية: فعليهن نصف ما على المحصنات دون أن تذكر العذاب، فقوله تعالى:مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25] يعني: لا من غيره، فهو بيان للنصف، نصف العذاب، والرجم ليس عذاباً، بل إنهاء للعذاب. ثم يخبر سبحانه عن حال أهل النار { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [فاطر: 36] أي: أنه عذاب دائم لا ينقطع ولا يفتر، فالإنسان مثلاً في الدنيا قد يُبْتلى - والعياذ بالله - بأنْ يُعتقل ويُضرب مثلاً ليُقرَّ بما حدث، إلى أن يصير جسمه جسماً أطرش يعني: لا يشعر بالألم لكثرة الضرب لذلك مثل هؤلاء يُضرب جَلْدة، أو عدة جلدات، ثم لا يشعر بعدها بشيء، ويصدق فيه قول الشاعر:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الهَوَانُ عَلَيْهِ   مَا لجُرْحٍ ميِّتٍ إيلامُ
أو قَوْل الآخر:
وكنتُ إذَا أَصَابَتْنى سِهَامٌ   تَكسَّرَتِ النِّصَالُ على النِّصَالِ
إذن: عذاب الدنيا قد يُخفَّف، ولو بهذه العادة الرديئة، وهي فقدان الإحساس بالعذاب حين يفقد الجلد اتصاله بالمخ، أما عذاب الآخرة فلا يُخفَّف عنهم مهما طال بهم لذلك يقول تعالى في موضع آخر:كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [النساء: 56].