الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }

تلحظ أن { جَنَّاتُ } [فاطر: 33] جمع، فهي جنات عِدَّة، لا جنة واحدة، وجنات عدن يعني: إقامة دائمة لا تنتهي، ووصف الجنات هنا بالدوام لأن آدم عليه السلام سبق أنْ أُدخل الجنة، لكن خرج منها، أما جنة الآخرة فدائمة باقية لا يخرج منها مَنْ دخلها. وقوله تعالى { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [فاطر: 33] تلحظ أن الحق سبحانه ذكر هنا التحلية والزينة قبل الضروريات، وهذا يعني أن الضروريات جاهزة مفروغ منها، وهذه التحلية ستكون في الآخرة من الذهب ومن الحرير، وهي من المحرَّمات على الرجال في الدنيا، أما في الآخرة فشيء آخر. وكلمة أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار. مثل فؤاد وأفئدة، فهي جمع للجمع ليدل على كثرتها، وأنك ستُحلَّى إن شاء الله في الجنة بأساور كثيرة تملأ الذراع من المعصم إلى العَضُد، ومعلوم أن السوار هو ما يتحلى به المعصم وتلبسه النساء للزينة في الدنيا، كُلٌّ حسب إمكاناتها، حتى أن بعض الغنيات يلبسْنَ أسورة عريضة في العضد يسمونها دُمْلُك لفرط غناها. وعجيب أن نرى بعض الرجال يتعجَّلون حلية الجنة، لكن من غير طريقها، فيلبسون الأساور، وهو ما يُسمَّى الآن الانسيال. وذكر الحق سبحانه أساور الذهب في الحلية لأن الملوك قديماً كانوا يلبسونها ويتحلَّوْن بها، وكان لكسرى سواران لهما قصة في تاريخنا، فلما أسلم سراقة بن مالك، وكان نحيلاً تشبه ذراعاه ذراعَيْ الماعز، وكان بعض الصحابة يسخرون منه، فنهاهم عن ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قولة عرفوا معناها فيما بعد، قال: " كيف بهما - يعني ذراعي سراقة - في سِوَاري كسرى؟ ". فلما فتح المسلمون بلاد فارس وغنموا قصور كِسْرى وأمواله جار السِّواران من نصيب سُراقة عند توزيع الغنائم، فلما رآهما عمر في يديه قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه الأساور { مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [فاطر: 33] الذهب معلوم أنه من الجبال، واللؤلؤ من حِلْية البحر. وتأمل دِقَّة الأداء القرآني هنا: فلما تكلم عن الأساور جاء بجمع الجمع ليدل على الكثرة، لكن لما تكلم عن الثياب قال { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [فاطر: 33] بصيغة المفرد، لماذا؟ قالوا، لأنك لا تحتاج إلى العديد من الثياب إلا لتردَّ عن نفسك البرد أو الحر، وليس في الجنة شيء من هذا.