الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

المعنى: أن ما قالوه في رسول الله، وفيما جاء به من الهدى تكذيب كما كذَّب السابقون، فهو سنة مُتبعة وطبيعة في المرسَل إليهم حين يأتي دين جديد ليُخرجهم عن طغيانهم واستبدادهم ويقضي على سيادتهم واستعبادهم للناس لذلك لا بُدَّ أن يصادموا الدين ويُكذِّبوا الرسل، لتظلَّ لهم وسائل الطغيان ووسائل الفساد. فمعنى { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } [سبأ: 45] الأمم السابقة الذين كذبوا إخوانك الرسل السابقين، فلستَ يا محمد بدْعاً في ذلك. { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ } [سبأ: 45] يعني: الأمم السابقة التي كذَّبت رسلها ما بلغتْ في الرسالة وفي المنهج والحجة والبينة معشار ما آتيناك ذلك لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالدين الوافي والمنهج الكامل الذي لا يمكن الاستدراك عليه. أو: أن المعنى { وَمَا بَلَغُواْ } [سبأ: 45] أي: كفار مكة الذين كذَّبوا رسول الله { مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ } [سبأ: 45] يعني: ما آتينا الأمم السابقة من القوة، فالذين كذَّبوا الرسل من الأمم السابقة كانوا أكثر قوة، وأكثر نفوذاً، وأكثر حضارة من كفار مكة، وأين هم من عاد وثمود وفرعون؟ واقرأ قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [الفجر: 6-11]. فأين قوة كفار قريش من قوة هؤلاء الذين يُضرب بهم المثل في: القوة، والبطش، والجبروت، والطغيان؟ ومع ذلك أصابهم من بأس الله ما أصابهم. والمعشار أكثر من العشير، والعشير أكثر من العُشْر، فإذا أردتَ العشرات تقول عُشر، وإذا أردت المئات تقول عَشِير، وإذا أردتَ الآلاف تقول معشار. وقوله تعالى: { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [سبأ: 45] يعني: انظر كيف كان أَخْذى للمكذِّبين، فلم أتركهم دون عقاب، إنما أخذتهم أَخْذ عزيز مقتدر، ومعنى { نَكِيرِ } [سبأ: 45] يعني: إنكاري عليهم بالتدمير والعقاب، وإنكاري عليهم على قَدْر ما كانوا هم منكرين. ثم يقول الحق سبحانه: { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ... }.