الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ }

المعنى: واذكر يوم يحشرهم جميعاً، واليوم ظرف للحشر وللجمع يوم القيامة، لكن لماذا يذكر رسول الله هذا اليوم؟ قالوا: هنا إشارة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لم يَنْسَه وما تركه، ولا تخلى عنه، بدليل أنه سينتقم له من أعدائه ومكذِّبيه في هذا اليوم، وكأن الله يقول له: سترى ماذا سنفعل بهم، كما قال سبحانه في آخر المطففين:هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المطففين: 36]. وقوله تعالى: { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40] معلوم أن الكفار عبدوا آلهة كثيرة، فلماذا خَصَّ الملائكة هنا بهذا السؤال؟ قالوا: لأنهم أعلى الأجناس التي عُبدَتْ من دون الله وأقربهم إلى الله لذلك قالوا عنهم: بنات الله، فهم يظنون أنَّ الملائكة لهم كلمة عند الله، ويمكن أنْ يشفعوا لهم أو يدافعوا عنهم إنْ عبدوهم لذلك ذكر هنا الملائكة، ولم يذكر الشجر والحجر الذي عُبِد من دونه سبحانه. لكن، لماذا وُجِّه السؤالُ للملائكة المعبودين، ولم يُوجَّه للعابدين الذين أشركوا؟ لماذا لم يُوبِّخهم الله ويُقرِّعهم على عبادتهم دون الله؟ قالوا: لأن الحق سبحانه أراد أنْ يسمع المشركون من الملائكة أنفسهم الردّ: لتكون الحجة عليهم أبلغ. يقول سبحانه للملائكة: { أَهَـٰؤُلاَءِ } [سبأ: 40] المشركون { إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40] فأول ردِّهم { قَالُواْ سُبْحَانَكَ } [سبأ: 41] يعني: تنزيه لك يا رب أنْ يُعبد سواك { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [سبأ: 41] يعني: نحن في ذُلِّية عبوديتنا لك يا رب أعزُّ وأكرم من كونهم يعبدوننا { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } [سبأ: 41] يعني: ما عبدونا، إنما عبدوا الجن { أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ: 41] فلماذا عبدوا الجن؟ ولماذا كان أكثرهم يؤمن بالجن؟ الجن هو الجنس الذي يقابل الإنس، وسُمِّي الجن لأنه مستور عنَّا، يرانا ونحن لا نراه، كما قال تعالى:إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف: 27]. والذين عبدوا الجن لم يعبدوهم جميعاً، إنما عبدوا الشياطين منهم، وعبدوهم لأنهم يطيعونهم، وأكثرهم كانوا بالجن مؤمنين، لماذا؟ لأن الجن كانوا يَسْترقون السمع، فيلتقطون بعض الأخبار والحقائق، ثم يُوحُونها إلى أوليائهم من شياطين الإنس فيأخذها هؤلاء ويخبرون الناس بها على سبيل أنهم يعلمون الغيب، إلا أنهم كانوا يدسُّون في هذه الحقائق الكثير من الباطل، ثم تأتي بعض الأحداث موافقة لما أخبروا به، فيُفْتَن الناس بهم، ويظنون أنهم يعلمون الغيب. ثم يقول الحق سبحانه: { فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً... }.