الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }

الكلام هنا مُوجَّه إلى الكفار الذين ظلموا بأموالهم وأولادهم، فمثل هذا المال، ومثل هؤلاء الأولاد لا يكونون أبداً زلفى، ولا قربى إلى الله، لكن إن استغل هذا في مرضاة الله وفي سبيل الله وفي أبواب الخير فهو من أعظم القربات. المال يُنْفَق منه في نواحي الخير، والأولاد يُربوْن التربية الصالحة ليكونوا أسوة خَيْر في مجتمعهم، لذلك استثنى الله تعالى فقال: { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [سبأ: 37] أى: فيما أعطاه الله من نعمة المال ومن نعمة الأولاد. { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } [سبأ: 37] وهكذا فتح الله الباب للنعمة، حين تُستغل في مرضاة الله، فليس كل الأموال ولا كل الأولاد نعمة، فالمال قد يجرُّ صاحبه إلى الهلاك، ويلقي به في النار، والأولاد الذين ظننتَ أنهم لك عِزْوة وقوة قد تنقلب هذه العِزْوة عليك. ورأينا كثيراً من الذين يبحثون عن هذه العِزْوة في الباطل، لكن يريد الله أنْ يُذِلَهم بما فتنوا، يذهب الرجل مثلاً فيخطب لولده بنت أحد الأعيان، أو الأغنياء، أو أحد أصحاب المناصب، ويفرح بهذا النسب ويفخر به، لكن أضمنتَ أنك سترضي هذه البنت؟ وأنك لن تختلف معها في يوم من الأيام لذلك كثيراً ما تنقلب هذه العِزْوة وهذا الجاه على صاحبنا، فيُذله الله من حيث ظنَّ هو العزة والكرامة. وقوله تعالى: { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ } [سبأ: 37] لا يأتي الضعف إلا في جزاء الحسنة، أما السيئة فلا تُضاعف، إنما يكون الجزاء بمثلها، وهذا من رحمة الله تعالى بنا، وقال { ٱلضِّعْفِ } [سبأ: 37] ولم يقُلْ الأضعاف لأن الضعف اسم جنس يصلح للقليل وللكثير، ومن ذلك قوله تعالى:وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [العصر: 1-3] فاستثنى الذِينَ وهي جمع من المفرد الإنْسَانَ لأنه اسم جنس. والضِّعْف أي: مضاعفة الحسنة، أو مضاعفة الصدقة، ومن معاني الضِّعف أنك إذا وزنتَ الأصل الذي أنفقتَه وجدته ضعيفاً بالنسبة لما أخذتَ عليه من الجزاء. وليست المضاعفة هي نهاية العطاء عند الله لأن الحديث النبوي الشريف أكمل هذه المسألة، فقال صلى الله عليه وسلم: " الحسنة بعَشْر أمثالها إلى سبعمائة ضِعْف ". فالله تعالى يُضاعف لمن يشاء على قَدر النيات في العطاء والبَذْل، فواحد يعطي وفي نفسه أنه أعطى وبذل من ماله ومن جهده، وآخر يعطي ويؤمن أنه مجرد مُناول عن الله، فالمال عنده مال الله، والعطاء من الله. ومن صور العطاء ما تعلَّمناه من السيدة فاطمة، فرُوي أن سيدنا رسول الله دخل عليها فوجدها تجلو درهماً لها، فَسألها رسول الله عنه فقالت: لأنني نويت أنْ أتصدق به، وأنا أعلم انه يقع في يد الله قبل أنْ يقع في يد الفقير.

السابقالتالي
2