الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ }

ينتقل الحق سبحانه إلى قضية عامة، هي قضية هؤلاء القوم الذين يعبدون غير الله ويجادلهم، ليُظهِر لهم فساد مسلكهم وبطلان عبادتهم دون الله، وقد ردَّ هؤلاء فقالوا:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ.. } [الزمر: 3]. ونقول أولاً: ما هي العبادة؟ العبادة أن يطيع العابدُ أمرَ معبوده ونهيه، فإذا كان الكفار يعبدون الشمس أو القمر أو الأصنام... إلخ بماذا أمرتهم هذه الآلهة؟ وعن أي شيء نهَتْهم؟ ماذا أعدَّتْ هذه الآلهة لمن عبدها من الثواب؟ وماذا أعدتْ لمن كفر بها من عقاب؟ إذن: أنتم كاذبون في كلمة نعبدهم، وإذا كنتم تعبدونهم ليقربوكم إلى الله زُلْفى، فلماذا لا تتوجهون بالعبادة إلى الله مباشرة؟ فكيف تعبدون آلهة بلا منهج ولا عمل لها فيمن عبدها، ولا عمل لها فيمن كفر بعبادتها؟ وهذه المخلوقات التي يعبدونها من دون الله مخلوقة لله مُسخَّرة له سبحانه مُسبِّحة، وهي بريئة من هذا الشرك ولا ترضاه، بل هي أعبد لله منهم لذلك نطقتْ الأحجار على لسان هذا الشاعر. وقالت:
عَبَدُونَا ونَحْنُ أَعْبَدُ للهِ   مِنَ القَائِمينَ فِي الأسْحَارِ
تَخِذُوا صَمْتَنا عَليْنَ دَليلاً   فَغَدْونَا لَهم وقُودَ النَّارِ
قَدْ تجنَّوْا جَهْلاً كَما قَدْ   تَجنَّوْه على ابْن مَريمَ والجَوارِى
لِلْمغَالِى جَزَاؤُهُ والمُغَالَى   فيه تُنْجِيهِ رَحْمةُ الغَفَّارِ
فالحق سبحانه يناقشهم في هذه المسألة: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ.. } [سبأ: 22] ادعوا هذه الآلهة المدَّعَاة، لكنهم لم يَدْعُوا، لعلمهم أن آلهتَهم المزعومة لن تجيب لذلك أكمل الله لهم وأظهر لهم النتيجة: لو دعوتُم هذه الآلهة، فإنهم { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ.. } [سبأ: 22]. فعلام إذن تعبدونهم، وهم لا يملكون شيئاً، ولم يصنعوا لكم معروفاً، ولا قدَّموا لكم خدمة { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا.. } [سبأ: 22] أي: في السماوات والأرض { مِن شِرْكٍ.. } [سبأ: 22] يعني: مع الله، أي ليس لهم مع الله شركة في مسألة الخَلْق { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } [سبأ: 22] يعني: لم يعاونوا الله حين خلق السماوات والأرض، والظهير هو المعين القوي، ومنه قول الحق سبحانه وتعالى:وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]. والظهير من الظهر، وهو أقوى الأعضاء في الحمل، وفي الدفع، فالظهير: الذي يعاونك ويساندك بكل قوته. والذين يدعون من دون الله آلهة يُحاجُّون بأشياء متعددة أولاً: الحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وجعله خليفة له في الأرض، وخلق له مُقوِّمات حياته قبل أنْ يخلقه، وتركه يرتع في نعمه ولم يُكلِّفه بشيء حتى سِنِّ البلوغ والنضج ويبلغ الإنسان سِنَّ النضج حين يصبح قادراً على إنجاب مثله. وسبق أنْ مثَّلْنا ذلك بالثمرة، فهي لا تنضج، ولا يحلو طعمها في مذاق الإنسان، إلا إذا استوتْ بذرتها، بحيث إذا زُرِعَتْ أنبتت مثلها، وهذا من لُطْف الله بنا، وإلا لو حَلَتْ الثمرة قبل نضج بذرتها لأكلنا الثمار مرة واحدة، وانقطع نوعها بعد ذلك.

السابقالتالي
2 3 4