الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

ينقلنا الحق - تبارك وتعالى - من قصة سليمان عليه السلام إلى أهل سبأ، فما العلاقة بينهما؟ المتأمل في سور القرآن وآياته يجد بينها ترابطاً وانسجاماً، والمناسبة هنا أن سيدنا سليمان كانت له أبرز قصة في الإيمانيات والعقائد مع بلقيس ملكة سبأ، فبينهما إذن علاقة، وهذه النقلة لها مناسبتها. وقصة سليمان والهدهد وبلقيس قصة مشهورة، وبها دلالات إيمانية عظيمة في العقيدة، وفي بيان أن الحيوان عنده دراية بالعقيدة، وبأسرار الله في كونه. و سَبَأ عَلَم على رجل اسمه عمرو بن عامر، ويُلقِّبونه بمزيقباء وأبوه ماء السماء وقد سأل كرَّة بين نسيك رضي الله عنه سيدنا رسول الله عن سبأ فقال: كذا وكذا... وكان له عشرة أولاد هم: أزد، وكِنْدة، ومَذْحج، وأشعريون، وأنمار، وغسان، وعاملة، ولَخْم، وجُذَام، وخثعم. وقد كوَّن كل واحد منهم قبيلة كبيرة. ستة من هؤلاء ذهبوا إلى اليمن، وأربعة ذهبوا إلى الشام، الذين ذهبوا إلى اليمن عاشوا في خيرها الوفير، فَيُروى أن بلقيس لما رأتْ ماء المطر يسيح في الوديان وتتشرَّبه الأرض، فلا يستفيدون به، فكَّرت في بناء سد بين جبلين يحجز ماء المطر، وجعلت به عيوناً كالتي عندنا في القناطر الخيرية مثلاً، تفتح عند الحاجة وتعطي الماء بقدر لذلك زاد الخير والنماء في اليمن، حتى سُمِّيت اليمن الخصيب واليمن السعيد. إلا أن عرافة عندهم أو امرأة حكيمة ذات رأي قالت لسبأ هذا: إن السد سيخرب ويُغْرق ماؤه اليمن فاخرج منها، وفعلاً خرج سبأ إلى الحجاز والشام، حيث ذهب الغساسنة إلى الشام، والمناذرة إلى العراق، وأنمار إلى المدينة، وأزد إلى عمان في الأردن. واسم سبأ بعد أنْ كان عَلَماً على شخص تعدَّى إلى أنْ صار اسماً لقبيلة، ثم اسماً للمكان الذي يسكنونه. وقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ.. } [سبأ: 15] أي: المكان الذي يسكنونه، والمكان الذي يعيش فيه الإنسان يُسمَّى سكن أو بيت أو منزل، ولكل منها معنى. والسكن هو المكان الذي يتخذه الإنسان ليسكن إليه وليطمئن فيه، ويرتاح من حركة الحياة والعمل، والإنسان لا يسكن إلا في مكان تتوفر فيه مُقوِّمات الحياة والأمن. لذلك فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما وضع زوجته وولده عند البيت دعا ربه:رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ.. } [إبراهيم: 37]. فقد كان هذا المكان جَدْباً لا زرع فيه ولا ماء، ولا مُقوِّم من مقومات الحياة إلا الهواء ومعنىأَسْكَنتُ.. } [إبراهيم: 37] أي: وطَّنْتهم في هذا المكان. أما المنزل فهو المكان تنزل فيه مرة أو عدة مرات، ثم ترحل عنه لا تقيم فيه إقامة دائمة، فهو كالاستراحات التي تُجعل للطوارئ، ولا يقيم فيها أهلها إلا عدة أيام في السنة كلها.

السابقالتالي
2 3 4 5