الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ.. } [سبأ: 1] جملة قائلُها الحق سبحانه، فهل قالها لنفسه أم قالها ليُعلِّمنا نحن أنْ نقولها؟ قالها ليُعلِّمنا. والحمد أنْ تأتي بثناء على مستحق الثناء بالصفات الجميلة. ومقابله: الذم، وهو أنْ تأتي لمستحقِّ الذم بالصفات القبيحة، وتنسبها إليه. وأنت قد تحمد شيئاً لا علاقةَ لك به، لمجرد أنه أعجبك ما فيه من صفات، فاستحق في نظرك أنْ يُحمد، كأن تحمد الصانع على صَنْعة أتقنها مثلاً، وإنْ لم تكُنْ لك علاقة بها. إذن: فالحمد مرة يكون لأن المحمود فيه صفات تستحق الحمد، وإنْ لم تَصِلْ إليك، فكيف إذا كانت صفات التحميد والتمجيد والتعظيم أثرها واصلَ إليك؟ لا شكَّ أن الحمد هنا أوجب. لذلك نقول: كل حمد ولو توجَّه لبشر عائد في الحقيقة إلى الله تعالى لأنك حين تحمد إنساناً إنما تحمده على صفة وهبها الله له، فالحمد على إطلاقه ولو لمخلوق حَمْدٌ لله. وكلمة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ.. } [سبأ: 1] وردت في القرآن ثمان وثلاثون مرة، وخُصَّتْ منها في فواتح السور خمس مرات: في الفاتحة: والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر. والحق سبحانه بدأ بالحمد لأنه بدأ خَلْقه من عدم فله علينا نعمة الخَلْق من عدم، ثم أمدَّنا بمقومات الحياة فوفَّر لنا الأقوات التي بها استبقاء الحياة، ثم التناسل الذي به استبقاء النوع، هذا لكيان الإنسان المادي، لكن الإنسان مطلوب منه حركة الحياة، وهو يعيش مع آخرين فلا بدَّ أنْ تتساند حركاتهم لا تتعاند، لا بُدَّ أن تنسجم الحركات وإلا لتفانى الخَلْق. وهذا التساند لا يتأتَّى إلا بمنهج يُحدِّد الحركات، ويحكم الأهواء، وإلا لجاء واحد يبني، وآخر يهدم. هذا في الدنيا، أما في الحياة الآخرة فسوف يُعِدُّنا لها إعداداً آخر، ويعيدنا إلى خير مما كنا فيه لأننا نعيش في الدنيا بالأسباب المخلوقة لله تعالى، أما في الأخرة فنعيش مع المسبِّب سبحانه مع ذات الحق. نحن في الدنيا نزرع ونحصد ونطبخ ونخبز ونغزل.. إلخ، هذه أسباب لا بُدَّ من مزاولتها، لكنك في الآخرة تعيش بكُنْ من المسبِّب، في الدنيا تخاف أنْ يفوتك النعيم أو تفوته أنت، أما في الآخرة فنعيمها بَاقٍ لا يزول ولا يحول، في الدنيا تتمتع على قَدْر إمكاناتك، أما في الآخرة فتتمتع على قَدْر إمكانات ربك. فالحق سبحانه أوجدنا من عدم، وأمدنا من عُدْم، ووضع لنا المنهج الذي يحفظ القيم، ويُنظِّم حركة الحياة قبل أن تُوجد الحياة، فقبل أنْ يخلقك خلق لك كالصانع الذي يُحدِّد مهمة صنعته قبل صناعتها، وهل رأيتم صانعاً صنع شيئاً، ثم قال: انظروا في أيِّ شيء يمكن أن يستخدم؟ لذلك قال تعالى:ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ }

السابقالتالي
2 3 4