الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً }

بعد أن تكلم الحق سبحانه عن الذين آذوا الله، وآذوا رسول الله، وآذوا المؤمنين دَلَّ على أن المسألة ليست تعصُّباً لمحمد، إنما هذا مبدأ سائد في كل رسل الله، وليس معنى منع إيذاء محمد أن تؤذوا غيره من إخوانه الرسل، فقال سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ.. } [الأحزاب: 69] وموسى - عليه السلام - كانت له في رحلة دعوته علاقتان: علاقة مع الفراعنة، وعلاقة مع بني إسرائيل، ولم يكُنْ موسى - عليه السلام - رسولاً إلى الفراعنة، إنما أُرسل إلى بني إسرائيل لذلك قال موسى وهارون لفرعون:إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ.. } [طه: 47] فهدفه تخليص بني إسرائيل من استعباد فرعون. أما دعوته لفرعون إلى الإيمان بالله وإظهار المعجزة أمامه لعله يؤمن، فجاءت على هامش دعوته الأساسية لبني إسرائيل، ومع ذلك لم يَسْلم موسى عليه السلام من إيذاء فرعون، فقال عنهسَاحِرٌ كَـذَّابٌ } [غافر: 24]. وقال:إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27]. وقال:أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف: 52]. وطبيعي أنْ يُؤْذّى موسى عليه السلام من فرعون، وقد جاء ليبطل ألوهيته المزعومة، لكن كيف يُؤْذَى من بني إسرائيل، وهو الذي جاء لينقذهم من قبضة فرعون، ومما كانوا فيه من العذاب والاستعباد؟ قال العلماء: إن بني إسرائيل آذوا موسى حين آذوا مَنْ بعثه، الله سبحانه وتعالى، فقالوا له:أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً.. } [النساء: 153]. وقالوا:إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ.. } [آل عمران: 181]. وآذَوْا موسى حين قالوا معترضين على ما رزقهم الله من المنِّ والسَّلْوى، فقالوا:لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ.. } [البقرة: 61]. ومعلوم أن المنَّ هو سائل يشبه العسل، يتساقط مثل الندى في الصباح من الأشجار، والسَّلْوى طائر يشبه السّمان يسوقه الله إليهم دون تعب منهم، لكنهم قوم لا يؤمنون بالغيب، ولا يريدون هذا الطعام الجاهز، فهم يريدون شيئاً محسوساً يزرعونه، ويُعدونه بأنفسهم. ثم آذَوْا موسى عليه السلام في شخصه، حين اتهموه بقتل أخيه هارون حين صَعَدا الجبل، ومات هارون هناك، فقالوا: إن موسى حقد على أخيه فقتله، فجعل الله الملائكة تحمل جسد هارون وتمرُّ به على بني إسرائيل وهو سليم لا جُرْحَ فيه، وهذا معنى قوله تعالى: { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ.. } [الأحزاب: 69]. وقال آخرون: بل اتهموا موسى عليه السلام بمرض في جسده لأنه عليه السلام كان شديد الحياء، سِتِّيراً، يحتاط في ستر نفسه عند استحمامه وعند قضاء حاجته، فَقالوا: ما فعل ذلك إلا لعيب يريد أنْ يستره.

السابقالتالي
2