الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

لعنهم يعني: طردهم من رحمته تعالى، وأبعدهم أي: في الدنيا { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } [الأحزاب: 64] يعني ناراً تستعر وتتأجج وتتوهج، وهذا في الآخرة في اليوم الذي قال الله فيه:يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ق: 30]. وهذه النار المتأججة باقية دائمة لا تنتهي { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً.. } [الأحزاب: 65] وسمعنا بعض العلماء يقولون عن الأبدية أنها ذُكِرَتْ في كل الآيات التي تحدثتْ عن نعيم الجنة، لكنها لم تُذْكر في عذاب الكفار يوم القيامة. وصاحب هذا القول لم يستقرئ كتاب الله جيداً، فقد ذُكِر هذا اللفظ: { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً.. } [الأحزاب: 65] في موضعين: أحدهما هذا الذي نحن بصدده، والآخر في سورة الجن في قوله سبحانه:وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [الجن: 23]. وهذا مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده أن يأتي لفظ التأبيد في كل آيات الجنة، ولا يأتي إلا في موضعين لأهل النار، ذلك لأن رحمة الله سبقتْ غضبه، فاقتضى ذلك أن يُبشِّر المؤمنين بتأبيد النعيم ودوامه. أما في جزاء الكافرين، فيقول: { خَالِدِينَ فِيهَآ.. } [الأحزاب: 65] ولا يذكر لفظ التأبيد، لعل ذلك يحنِّن قلوب هؤلاء، ويعطفهم إلى طريق الله الرحيم بهم. وذكر لفظ التأبيد في هاتين الآيتين ليحقق المبدأ ويُقرِّره فحسْب، ومن رحمته تعالى أن تسبق رحمته في البشارة، وتتلطف بالنذارة. فهذه الحكمة الإلهية مقصودة، وكانت تُؤتي ثمارها المرجوة. فكانت باباً لإيمان الكثيرين من الكفار، وسبق أنْ ذكرنا قصة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لما جاءه ضيف وطرق بابه، فسأله عن دينه، فلما عَلِم أنه غير مؤمن أغلق الباب في وجهه، فانصرف الرجل، لكن سرعان ما عاتب الله تعالى نبيه إبراهيم في ذلك وقال له: يا إبراهيم، لقد وَسِعْتُه طوال حياته في مُلكي وهو كافر بي، أتريد أن يُغيِّر دينه في ليلة تستضيفه فيها. فهرول إبراهيم - عليه السلام - حتى لحق بالرجل، وأعاده إلى ضيافته، فقال الرجل: ألم تردَّني عن بابك منذ قليل؟ قال: بلى، ولكن عاتبني ربي فيك، فقال: نِعْم الربُّ رَبٌّ يعاتب أولياءه في أعدائه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. وهم في خلودهم في النار { لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [الأحزاب: 65] أي: مالكاً يتولَّى أمرهم { وَلاَ نَصِيراً } [الأحزاب: 65] ينصرهم أو يدافع عنهم.