الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً }

سُئِل رسول الله كثيراً عن الساعة، والسؤال ظاهرة صحية إذا كان في الأمر التكليفي لأن السؤال عن التكاليف الشرعية دليل على أن السائل آمن برسول الله، وأحبَّ التكليف، فأراد أنْ يبني حركة حياته على أسس إسلامية من البداية. فعلى فرض أن الإسلام جاء على أشياء كانت مُتوارثة من الجاهلية فأقرَّها الإسلام، فيأتي مَنْ يسأل عن رأي الإسلام فيها حِرْصاً منه على سلامة دينه وحركة حياته. لكن أراد الحق سبحانه أنْ يُهوِّن المسائل على الناس، فقال سبحانه:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.. } [المائدة: 101]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوني ما تركتكم، فإنما أُهلك مَنْ كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ". إذن: السؤال المطلوب هو السؤال عن الأمور التكليفية التي تهم المسلم، حتى وإنْ كانت من أمور الجاهلية، وقد أقرَّ الإسلام كثيراً منها، فالدية مثلاً في الإسلام جاءت من جذور كانت موجودة عند الجاهليين وأقرَّها الإسلام، وقد أمر الله تعالى المسلم بأنْ يسأل عن مثل هذه المسائل في قوله تعالى:فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]. أما السؤال عن الساعة، فالساعة أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، فهو سؤال لا جدوى منه، لذلك لما سُئِل رسول الله: متى الساعة؟ قال للسائل: " وماذا أعددتَ لها " فأخذه إلى ما ينبغي له أنْ يسأل عنه ويهتمّ به. وهذه الآية الكريمة { يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ.. } [الأحزاب: 63] جاءت بعد معركة الإيذاء لله تعالى، والإيذاء لرسوله وللمؤمنين به، هذا الإيذاء جاء ممَّنْ لا يُؤمنون بالسماء، ولا يؤمنون بالله، ولا يؤمنون بالبلاغ عن الله بواسطة رسوله. وإيذاء هؤلاء لله تعالى هو في الحقيقة إيذاء لأنفسهم لأنه لا يصل إلى الله تعالى، والله يريد لهم الخير لأنهم عباده وصَنْعته، فحين يخرجون على منهجه فإنما يؤذون أنفسهم، أما إيذاؤهم لرسول الله فقد آذوه صلى الله عليه وسلم في أهله وفي نفسه، فقد تعرَّضوا له صلى الله عليه وسلم بما يتأبَّى عنه أيّ إنسان كريم، آذوْه بالقول وبالفعل، ومع ذلك صبر صلى الله عليه وسلم، وصبر أصحابه، وقد أوذوا في أنفسهم وفي أموالهم. والمتأمل يجد أن هذا الإيذاء مقصود وله فلسفة، فقد أراده الله تعالى ليُمحِّص المؤمنين، وليرى - وهو أعلم سبحانه - مَنْ يثبت على الإيمان لذلك قال تعالى:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2]. وسبق أن أوضحنا أن الإيمان ليس كلمةً تُقال، إنما الإيمان مسئولية وعمل، ولهذا السبب امتنع كفار مكة عن النطق بكلمة الإيمان لأنهم يعلمون حقيقتها، وهم أهل بيان وفَهْم للأساليب وللمعاني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9