الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً }

الإيذاء: إيقاع الألم من المؤذِي للمؤذَى، سواء أكان الإيذاء بالقول أم بالفعل، والإيذاء بهذا المعنى أمر لا يتناسب مع الحق سبحانه وتعالى. إذن ما معنى: يؤذون الله؟ قالوا: الله تعالى لا يُؤذَي بالفعل لأنهم لا يستطيعون ذلك، فهو أمر غير ممكن، أما القول فممكن، والإيذاء هنا يكون بمعنى إغضاب الله تعالى بالقول الذي لا يليق به سبحانه، كقولهم:إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ.. } [آل عمران: 181] وبعضهم أنكر وجود الله. وقولهم:يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ.. } [المائدة: 64]. وقولهم:عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ.. } [التوبة: 30]. وبعضهم يسُبُّ الدهر، والله يقول في الحديث القدسي: " يؤذيني عبدي، وما كان له أنْ يؤذيني، يسبُّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلِّبُ الليل والنهار ". وهل الزمن له ذَنْب في الأحداث التي تؤلمك؟ الزمن مجرد ظرف للحدث، أما الفاعل فهو الله عز وجل، إذن: لا تسبُّوا الدهر، فالدهر هو الله، وهم أنفسهم قالوا:مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ.. } [الجاثية: 24]. كل هذا إيذاء بالقول، لكن ينبغي أنْ ننظر فيه: أهو كذب وبهتان؟ أم قول صادق يقوم عليه دليل؟ وقد يُؤذيك شخص بكلمة، لكنك لا تُؤذَى منها، وفي هذه الحالة يأخذ هو إثمها، وتسْلَم أنت من شرها وتسلم من ألمها.. فهذه الأقوال منهم في الواقع فيها إيذاء، لكن ليس لله تعالى، إنما إيذاء لهم، كيف؟ الحق - سبحانه وتعالى - حينما استخلف الإنسان في الأرض خلق له الكون قبل أنْ يخلقه فطرأ الإنسان على كون مُعَدٍّ لاستقباله، فيه مُقوِّمات بقاء الحياة، ومُقوِّمات بقاء النوع، ثم أعدَّ له أيضاً قانون صيانته، بحيث إنْ أصابه عطب استطاع أنْ يصلحه، هذا القانون هو منهجه سبحانه المحفوظ في كتابه، واقرأ قول الحق سبحانه:ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [الرحمن: 1-4]. فقانون الصيانة في القرآن موجود قبل أنْ يخلق الإنسانَ لأن الإنسان خَلْق الله وصَنْعته خلقه الله في أحسن تقويم، وعلى أحسن هيئة، ويريد له أنْ يظل هكذا سويَّ التكوين في كل شيء، فإذا ما خرج هذا الخليفة المخلوق لله على قانون صيانته، فإنه ولا شكَّ لا بُدَّ أنْ يغضب الله، لأن الله يريد أنْ تظلَّ صنعته جميلة، كما أبدعها سبحانه. إذن: فالذين أنكروا وجود الله، أو الذين أشركوا به، والذين قالوا: " إن الله فقير ونحن أغنياء " أو قالوا: الملائكة بنات الله... إلخ هذه الأقوال التي ترتب عليها غضب الحق سبحانه لأنه خليفته في الأرض لم يُؤَدِّ المطلوب منه على حَسْب منهج الله. ونقول لهؤلاء: إياكم أنْ تظنوا أنكم بكفركم خرجتم من قبضة الحق سبحانه، بل أنتم في قبضته، وتحت مشيئته، ولو شاء سبحانه لقهركم على طاعته، أو خلقكم على هيئة الصلاح لا تأتي منكم المعصية كما خلق الملائكة، إنما جعلكم مختارين فيما كلفكم به، مَنْ شاء آمن، ومَنْ شاء كفر، ليعلم مَنْ يقبل عليه بحب لا بقهر.

السابقالتالي
2 3