الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }

سبق أن تناولنا تفسير هذه الآية في إطار سياق الآيات السابقة، ونلخصها هنا في أن الحق سبحانه بدأ رسوله أولاً بأن أحلَّ له في قوله:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ.. } [الأحزاب: 50] ثم قيد هذا التحليل هنا، فقال: { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ.. } [الأحزاب: 52]. فالحق سبحانه يأتي بالمخفَّف في أشياء، ثم يأتي بالمثقّل ليعلم القوم أن الله تعالى بدأ رسوله بالعطف والرحمة والحنان، ويُبيِّن فضله عليه، كما قال له سبحانهعَفَا ٱللَّهُ عَنكَ.. } [التوبة: 43] قبل أنْ يعاتبه بقوله:لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ.. } [التوبة: 43]. وهذه الآية { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ.. } [الأحزاب: 52] توضح أنّ ما شُرِع لرسول الله في مسألة تعدُّد الزوجات غير ما شُرِع لأمته، فرسول الله استثناه الله تعالى في المعدود لا في العدد، والفرق بين الاستثناء في العدد والاستثناء في المعدود أن العدد يُدَار في أشياء متعددة، فلو أنه أباح له عدد تسع ثم تُوفِّين لَكَان له أن يتزوج بتسع أُخَر، وإنْ ماتت واحدة منهن له أن يتزوج بواحدة بدلاً منها. لكن الاستثناء لم يكُنْ لرسول الله في العدد كأمته، إنما في المعدود، بحيث يقتصر على هؤلاء بخصوصهن، والحكمة في ذلك أن التي يفارقها زوجها من عامة نساء المؤمنين لها أنْ تتزوج بغيره، على خلاف زوجات رسول الله، فإنهن أمهات للمؤمنين، فلا يحل لهُنَّ الزواج بعد رسول الله. ثم أوضحنا أن مسألة مِلْك اليمين ليستْ سُبَّة في جبين الإسلام، إنما هي ميزة من ميزاته، فالله مَلَك الرقبة ليحميها من القتل، والمقارنة هنا ليستْ بين رق وحرية، إنما بين رق وقتل كما أوضحنا، والذي يتأمل حال المملوك أو المملوكة في ظل الإسلام لا يسعه إلا الاعتراف بحكمة الشرع في هذه المسألة. ثم يقول الحق سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... }.