الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

الحق - تبارك وتعالى - لم يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم باسمه العَلم أبداً، كما خاطب غيره من الأنبياء فقال: يا نوح، يا عيسى، يا موسى، يا إبراهيم.. إلخ، أما رسول الله، فناداه ربه بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ.. } [الأحزاب: 50] ويٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ.. } [المائدة: 41]. ونداء الشخص باسمه العَلَم دليلٌ على أنه ليستْ له صفة مميزة، فإنْ ملك صفة مميزة نُودِي بها تقول: يا شجاع، يا شاعر.. إلخ، الآن الجميع يشتركون في العَلَمية. إذن: فنداء النبي صلى الله عليه وسلم بيأيها النبي، ويأيها الرسول تكريم له صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ.. } [الأحزاب: 50] ما معنى { أَحْلَلْنَا.. } [الأحزاب: 50] هنا ما دام الحديث عن أزواجه صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: معناها أنها كانت في منطقة مُحرَّمة ثم أحلَّها الله له أي: جعلها حلالاً، وهذا المعنى يتضح بقوله تعالى بعدها { ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ.. } [الأحزاب: 50] كأن رسول الله أخذ بالحِلِّ أولاً، بدليل أنه آتى الأجر والمهر. ولقد كان للعلماء وَقْفة عند تسمية المهر أجراً، قالوا: كيف يُسمِّي المهر أجراً، ومعنى الأجر في اللغة: جُعْلٌ على منفعة موقوتة يؤديها المُستأجَر للمُستأجِر، أما النكاح فليس موقوتاً، إنما من شروطه نية التأبيد والدوام؟ وللجواب على هذه المسألة نقول: لا يصح أنْ تُؤخَذ الآيات، منفصلة بعضها عن بعض، إنما ينبغي أنْ نجمع الآيات الواردة في نفس الموضوع جَنْباً إلى جنب ليأتي فهمها تاماً متكاملاً. فالحق سبحانه يقول في موضع آخر مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم في شأن زوجاته:تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ.. } [الأحزاب: 51] أي: تؤخر استمتاعك بهاوَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ.. } [الأحزاب: 51] أي: تضمُّها إليك. إذن: ما دام لك أن ترجيء أزواجاً منهن وتمنعهن من القسمة، ثم تضم غيرهن، فكأن المنفعة هنا موقوتة، فناسب ذلك أن يُسمَّى المهر أجراً. والحق سبحانه يعطي نبيه صلى الله عليه وسلم في كل مراحل سيرته أزكى المواقف وأطهرها وأنبلها، فقوله تعالى: { ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ.. } [الأحزاب: 50] دليل على أنه صلى الله عليه وسلم ما انتفع بهن إلا بعد أنْ أدَّى مهرهن، في حين أن للإنسان أنْ يسمى المهر، ويدخل بزوجته دون أن يدفع من المهر شيئاً، ويكون المهر كله أو بعضه مُؤخَّراً، لكن تأخير المهر يعطي للمرأة حق أنْ تمتنع عن مضاجعته، فإنْ سمحَتْ له فهو تفضُّل منها. إذن: فرسول الله اختار أكمل شيء. رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليبُيِّن للناس ما نُزِّل إليهم، وجعله ربه أُسْوة سلوكية في الأمور التي يعزُّ على الناس أن يستقبلوها، فنفَّذها رسول الله في نفسه أولاً كما قلنا في مسألة التبني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7