الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قال سبحانه { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ.. } [الأحزاب: 40] لأن علاج قضية التبني أهمُّ من أُبوته صلى الله عليه وسلم لأحد منكم أن يكون أبوه رسول الله لأن أبوته لآخر لا تنفعه بشيء، إنما ينفعه البلاغ عن الله، وأن يحمل له منهج ربه الذي يسعده في دينه ودنياه. إذن: ففرحكم برسول الله كرسول أَوْلَى من فرحكم به كأب، وإلاَّ فما أكثر من لهم آباء، وهم أشقياء في الحياة لا قيمة لهم. وقوله { مَّا كَانَ.. } [الأحزاب: 40] النفي هنا يفيد الجحود، فهو ينكر ويجحد أنْ يكون محمد أَباً لأحد من رجالكم، وتأمل عظمة الأداء القرآني في كلمة { مِّن رِّجَالِكُمْ.. } [الأحزاب: 40] ولم يَقُلْ مثلاً أبا أحد منكم، لماذا؟ قالوا: لأنه صلى الله عليه وسلم كان أباً لعبد الله وللقاسم ولإبراهيم، وكانوا جميعاً منهم، وهو صلى الله عليه وسلم أبوهم، فجاءت كلمة { رِّجَالِكُمْ.. } [الأحزاب: 40] لتُخرج هؤلاء الثلاثة لأنهم لم يبلُغوا مبلغ الرجال، فمحمد ما كان أبداً أبا أحد من الرجال، وإنْ كان أباً لأولاد صغار لم يصلوا إلى مرحلة الرجولة. وقوله { وَلَـٰكِن.. } [الأحزاب: 40] أي: أهم من أُبوَّته أن يكون رسول الله { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ.. } [الأحزاب: 40] ليس هذا فحسب، ولكن أيضاً { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ.. } [الأحزاب: 40] أي: الرسول والنبي الذي يختم الرسالات، فلا يستدرك عليه برسالة جديدة. وهذه من المسائل التي وقف عندها المستشرقون معترضين، يقولون: جاء في القرآن:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ.. } [آل عمران: 81]. ومحمد صلى الله عليه وسلم من ضمن الأنبياء الذين أُخِذَ عليهم هذا العهد، بدليل:وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ.. } [الأحزاب: 7]. إذن: أخذ اللهُ العهدَ على الأنبياء أنه من ضمن مبادئهم أنْ يُبلِّغوا قومهم بمقدم رسول جديد، وأنه إذا جاءهم عليهم أنْ يؤمنوا به، وأنْ ينصروه، كما بشَّر مثلاً عيسى عليه السلام برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال:وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ.. } [الصف: 6]. فكيف يخبر الله عن محمد أنه خاتم النبيين وهو واحد منهم؟ نقول: نعم هو واحد منهم، لكن إنْ كانوا قد أُمِروا بأنْ يُبشِّروا وأنْ يُبلغوا أقوامهم برسول يأتي، فقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يُبلِّغ قومه أنه خاتم الأنبياء والرسل. لذلك يُرْوَى أن رجلاً ادَّعَى النبوة في زمن المأمون، فأمر به فَوُضِع في السجن، وبعد عدة أشهر ظهر رجل آخر يدعي النبوة، فرأى المأمون أن يواجه كل منهما الآخر، فأحضر المدعي الأول وقال له: إن هذا الرجل يدَّعِي أنه نبي، فماذا تقول فيه؟ قال: هو كذاب لأنني لم أرسل أحداً - فارتقى إلى منزلة الألوهية، لا مجرد أنه نبي.

السابقالتالي
2