الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

معنى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.. } [الأحزاب: 33] الزمنها ولا تُكثِرْن الخروج منها، وهذا أدب للنساء عامة لأن المرأة إذا شغلتْ نفسها بعمل المطلوب منها في بيتها وفي خدمة زوجها وأولادها ومصالحهم لما اتسع الوقت للخروج لذلك كثيراً ما يعود الزوج، فيجد زوجته مُنهمِكة في أعمال البيت، وربما ضاق هو نفسه بذلك لأنه لا يجدها متفرغة له. إذن: المرأة المفلسة في بيتها هي التي تُكثِر الخروج، وتقضي مصالح بيتها من خارج البيت، ولو أنها تعلمتْ الصناعات البسيطة لَقضَتْ مصالح بيتها، ووفَّرتْ على زوجها، وقد حكوا لنا عن النساء في دمياط مثلاً، كيف أن المرأة هناك تعمل كل شيء وتساعد زوجها، حتى أن البنت تتعلم حرفة، ولا ترهق أباها عند زواجها، بل وتوفر من المال ما يساعد زوجها بعد أن تتزوج. وقوله تعالى: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ.. } [الأحزاب: 33] كلمة التبرج من البُرْج، وهو الحصن، ومعنى تبرَّج أي: خرج من البرج وبرز منه، والمعنى: لا تخرجن من حصن التستر، ولا تبدين الزينة والمحاسن الواجب سَتْرُها. وقال { تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ.. } [الأحزاب: 33] أي: ما كان من التبرج قبل الإسلام، وكانت المرأة - ونعني بها الأَمَة لا الحرة - تبدي مفاتن جسمها، بل وتظهر شبه عارية، وكُنَّ لا يجدْنَ غضاضة في ذلك، وقد رأينا مثل هذا مثلاً في إفريقيا. أما الحرائر في الجاهلية، فكانت لهُنَّ كرامة وعِفّة، في حين كانت تُقام للإماء أماكن خاصة للدعارة والعياذ بالله لذلك لما أخذ رسول الله العهد على النساء المؤمنات ألاَّ يَزْنين قالت امرأة أبي سفيان: أو تزني الحرة يا رسول الله؟ يعني: هذا شيء مستنكف من الحرة، حتى في الجاهلية. ومن معاني البرج: الاتساع، فيكون المعنى: لا تُوسِّعْنَ دائرة التبرج التي حددها الشرع، وهي الوجه والكفان. وفي موضع آخر، قال تعالى:وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ.. } [النور: 60]. وتعجب من المرأة تبلغ الخمسين والستين، ثم تراها تضع الأحمر والأبيض، ولا تخجل من تجاعيد وجهها، ولا تحترم السنَّ التي بلغتْها. ثم يقول سبحانه: { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ.. } [الأحزاب: 33] كثيراً ما قرن القرآن بين الصلاة والزكاة، وبدأ بالصلاة لأنها عمدة التكاليف كلها، وإنْ كنتَ في الزكاة تنفق بعض المال، والمال فرع العمل، والعمل فرع الزمن، فأنت في الصلاة تنفق الزمن نفسه وتضحي به، فكأنك في الصلاة تنفق نسبة سبعة وتسعين ونصف بالمائة، فضلاً عن الاثنين ونصف نسبة الزكاة. كما يُفهم من إيتاء الزكاة هنا أن للمرأة ذمتها المالية الخاصة المستقلة عن ذمة الغير من أب أو زوج أو غيره، بدليل أن الله كلفها بإيتاء الزكاة، لكن الحضارة الحديثة جعلتْ مال المرأة قبل الزواج للأب، وبعد الزواج للزوج، ثم سلبتْ المرأة نسبتها إلى أبيها، ونسبتها بعد الزواج لزوجها.

السابقالتالي
2 3