الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }

الحق - سبحانه وتعالى - بعد أنْ خيَّر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فاخترْنَ الله ورسوله والدارالآخرة أراد سبحانه أنْ يُعطيهن المنهج والمبادىء التي سيسِرْنَ عليها في حياتهن، ونلحظ أن آية التخيير كانت من كلام النبي عن ربه، أما هنا فالكلام من الله مباشرة لنساء النبي. { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ.. } [الأحزاب: 30] فبداية المسألةيٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ.. } [الأحزاب: 28] فلما اخترْن الله ورسوله والدار الآخرة كأنهن ارتفعْنَ إلى مستوى الخطاب المباشر من الله تعالى، كأنهن حقَّقْنَ المراد من الأمر السابقفَتَعَالَيْنَ.. } [الأحزاب: 28]. كلمة { نِسَآءَ.. } [الأحزاب: 30] نعلم أنها جمع، لكن لا نجد لها مفرداً من لفظها، إنما مفردها من لفظ آخر هو امرأة، وفي اللغة جموع تُنُوسِي مفردها بشهرة مفرد آخر أرقّ أو أسهل في الاستعمال، وامرأة أو مَرة يصح أيضاً من امرؤ، وهذه اللفظة تختلف عن ألفاظ اللغة كلها، بأن حركة الإعراب فيها لا تقتصر على الحرف الأخير إنما تمتد أيضاً إلى الحرف قبل الأخير، فنقول: قال امْرُؤُ القيس، وسمعت امْرَأَ القيس، وقرأت لامْرِيء القيس. وبعض الباحثين في اللغة قال: إن نساء من النَّسْأ والتأخير، على اعتبار أن خَلْقها جاء متأخراً عن خَلْق الرجل، ومفردها إذن نَسْءٌ وإنْ كان هذا تكلفاً لا داعيَ له. وبعد هذا النداء { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ } [الأحزاب: 30] يأتي الحكم الأول من المنهج الموجَّه إليهن: { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ.. } [الأحزاب: 30] نلحظ أن الحق سبحانه لم يبدأ الكلام مع نساء النبي بقوله مثلاً: مَنْ يتق الله منكن، إنما بدأ بالتحذير من إتيان الفاحشة لأن القاعدة الشرعية في التقنين والإصلاح تقوم على أن " درء المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة " كما أننا قبل أنْ نتوضأ للصلاة نبرىء أنفسنا من النجاسة. ومثَّلْنَا لذلك وقُلْنا: هَبْ أن واحداً رماك بتفاحة، وآخر رماك بحجر، فأيهما أَوْلَى باهتمامك؟ لا شكَّ أنك تحرص أولاً على ردِّ الحجر والنجاة من أذاه، وكذلك لو أردتَ أنْ تكوي ثوبك مثلاً وهو مُتسخ، لا بُدَّ أن تغسله أولاً. لذلك بدأ الحق سبحانه التوجيه لنساء النبي بقوله { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ.. } [الأحزاب: 30] لكن الفاحشة أمر مستبعد، فكيف يتوقع منتهى الذنوب من نساء رسول الله؟ قالوا: ولم لا، وقد خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.. } [الزمر: 65]. ومعلوم أن رسول الله ليس مظنة الوقوع في الشرك، إذن: فالمعنى، يا محمد ليس اصطفاؤك يعني أنك فوق المحاسبة، كذلك الحال بالنسبة لنسائه: إنْ فعلَتْ إحداكن فاحشة، فسوف نضاعف لها العذاب، ولن نستر عليها لمكانتها من رسول الله، فإياكُنَّ أنْ تظننَّ أن هذه المكانة ستشفع لكُنَّ، وإلا دخلتْ المسألة في نطاق إذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد، وإذا سرق الشريف تركوه.

السابقالتالي
2 3