الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }

وهذه التسوية كانت أولاً للإنسان الأول الذي خلقه الله من الطين، كما قال سبحانه:فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 29] وقد مَرَّ آدم - عليه السلام - في هذه التسوية بالمراحل التي ذكرت، كذلك الأمر في سلالته يُسوِّيها الخالق - عز وجل - وتمر بمثل هذه المراحل: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة.. إلخ، ثم تُنفخ فيه الروح. وإذا كان الإنسان لم يشهد كيفية خَلْقه، فإن الله تعالى يجعل من المشَاهد لنا دليلاً على ما غاب عَنَّا، فإنْ كنَّا لم نشهد الخَلْق فقد شاهدنا الموت، والموت نَقْضٌ للحياة وللخَلْق، ومعلوم أن نَقْض الشيء يأتي على عكس بنائه، فإذا أردنا مثلاً هدم عمارة من عدة أدوار فإن آخر الأدوار بناءً هو أول الأدوار هدماً. كذلك الحال في الموت، أول شيء فيه خروج الروح، وهي آخر شيء في الخَلْق، فإذا خرجت الروح تصلَّب الجسد، أو كما يقولون شضَّب، وهذه المرحلة أشبه بمرحلة الصلصالية، ثم يُنتن وتتغير رائحته، كما كان في مرحلة الحمأ المسنون، ثم يتحلل هذا الجسد ويتبخر ما فيه من مائية، وتبقى بعض العناصر التي تتحول إلى تراب ليعود إلى أصله الأول. إذن: خُذْ من رؤيتك للموت دليلاً على صِدْق ربك - عز وجل - فيما أخبرك به من أمر الخَلْق الذي لم تشهده. وقوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ.. } [السجدة: 9] سبق أن تكلمنا عن هذه الأعضاء، وقد قرر علماء وظائف الأعضاء مهمة كل عضو وجارحة، ومتى تبدأ هذه الجارحة في أداء مهمتها، وأثبتوا أن الأذن هي الجارحة الأولى التي تؤدي مهمتها في الطفل، بدليل أنك إذا وضعتَ أصبعك أمام عين الطفل بعد ولادته لا يرمش، في حين يفزع إنْ أحدثت َ بجواره صوتاً: ذلك لأنه يسمع بعد ولادته مباشرة، أما الرؤية فتتأخر من ثلاثة إلى عشرة أيام. لذلك كانت حاسة السمع هي المصاحبة للإنسان، ولا تنتهي مهمتها حتى في النوم، وبها يتم الاستدعاء، أما العين فلا تعمل أثناء النوم. وهذه المسألة أوضحها الحق سبحانه في قصة أهل الكهف، فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُنيم أهل الكهف هذه المدة الطويلة، والكهف في صحراء بها أصوات الرياح والعواصف والحيوانات المتوحشة لذلك ضرب الله على آذانهم وعطَّل عندهم هذه الحاسة كما قال سبحانه:فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } [الكهف: 11]. إذن: الأذن هي أول الأعضاء أداءً لمهمتها، ثم العين، ثم باقي الأعضاء، وآخرها عملاً الأعصاب، بدليل أن الطفل تصل حرارته مثلاً إلى الأربعين درجة، ونراه يجري ويلعب دون أن يشعر بشيء، لماذا؟ لأن جهازه العصبي لم ينضج بَعْد، فلا يشعر بهذه الحرارة.

السابقالتالي
2 3 4