الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }

يخبرنا الحق - تبارك وتعالى - أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما لخدمة الإنسان، وهو المكرَّم الأول في هذا الكون، وجميع الأجناس في خدمته حيواناً ونباتاً وجماداً، فهو سيد في هذا الكون، لكن هل أخذ هذا السيد سيادته بذاته وبفعله؟ لا إنما أخذها بفضل الله عليه، فكان عليه أولاً أنْ يشكر مَنْ أعطاه هذه السيادة على غيره. وهذا السيد عمره ومروره في الحياة عبور، فعمره فيها يطول أو يقصر ينتهي إلى الموت، في حين أن الجمادات التي تخدمه عمرها أطول من عمره، وهي خادمة له، فكان لزاماً عليه أنْ يتأمل هذه المسألة: كيف يكون عمر الخادم أطول وأبقى من عمر السيد المخدوم؟ إذن: لا بد أن لي عمراً آخر أطول من هذا، عمراً يناسب تكريم الله لي، ويناسب سيادتي في هذا الكون، إنها الآخرة حيث تندثر هذه المخلوقات التي خدمتني في الدنيا وأبقى أنا، لا أعيش مع الأسباب، إنما مع المسبب سبحانه، فلا أحتاج إلى الأسباب التي خدمتني في الدنيا، إنما أجد كل ما أشتهيه بين يديَّ دون تعب ودون سَعْي، وهذه ارتقاءات لا تكون إلا لمَنْ يطيع المرقى المعطي. لذلك، الحق - سبحانه وتعالى - يلفتنا ويقول: صحيح أنت أيها الإنسان سيد هذا الكون وكل مخلوقاتي في خدمتك، لكن خَلْقها أكبر من خَلْقك:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ.. } [غافر: 57]. لماذا؟ لأن للناس أعماراً محددة، مهما طالت لا بُدَّ أن تنتهي إلى أجل، ثم إن هذه الأعمار لا تَسْلم لهم، إنما تنتابها الأغيار، فالغنيّ قد يفتقر، والصحيح قد يمرض، والقوي قد يضعف، أمّا الشمس والقمر والنجوم والكون كله فلا يتعرض لهذه الأغيار فما رأينا الشمس أو القمر أو النجوم أصابتها علة وانتهت كانتهاء الإنسان، ثم أنتَ لستَ مثلها في العظمة المستوعبة لأن قصارى ما فيك أنك تخدم نفسك أو تخدم البيئة التي حولك، أمَّا هذه المخلوقات فتخدم الكون كله. فإذا أقرَّ - حتى الكفار - بأن الله تعالى هو خالق السماء والأرض إذن: فهي دليل أول على وجود الحق تبارك وتعالى. ومسألة خَلْق السماوات والأرض من الأشياء التي استأثر الله بعلمها وليس لأحد أنْ يقول: كيف خُلِقت ولا حتى كيف خُلق الإنسان لأن مسائل الخَلْق لم يشهدها أحد فيخبرنا بها لذلك يقول تعالى:مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [الكهف: 51]. فسماهم الله مُضلِّين، والمضِلّ هو الذي يجنح بك إلى طريق باطل، ويصرفك عن الحق، وقد رأينا فعلاً هؤلاء المضلِّين وسمعنا افتراءاتهم في مسألة خَلْق السماوات والأرض. إذن: خَلْق السماوات والأرض مسألة لا تُوخَذ إلا ممَّنْ خلق لذلك قَصَّ لنا ربنا - تبارك وتعالى - قصة خَلْق آدم، وقصَّ لنا قصة خلق السماوات والأرض، لكن الخَلْق حدث وفعل، والفعل يحتاج إلى زمن تعالج فيه الحدث وتزاوله، والإشكال هنا في قوله تعالى { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.

السابقالتالي
2 3 4