الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

متى يُستفهم بها عن الزمان، والاستفهام بها يدل على أنك استبطأت الشيء فاستفهمتَ: متى يحدث؟ الرسول صلى الله عليه وسلم حين بُعِث أخبر قومه أنه مُرْسَل إليهم بمنهج من الله، وقد أيده الله بالمعجزات، وأخبرهم بمصير مَن اتبعه ومصير مَنْ خالفه، وأن ربه - عز وجل - ما كان ليرسله إليهم، ثم يُسلْمه أو يتخلى عنه، فهو لا بُدَّ منتصر عليهم، فهذه سنة الله في أنبيائه ورسله، حيث قال سبحانه:وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 171-173]. لذلك قلنا: إذا رأيت موقفاً لم ينتصر فيه المسلمون، حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة، فاعلم أن الجندية عندهم قد اختلتْ شروطها، فلم يكونوا في حال الهزيمة جنوداً لله متجردين. وحين نتأمل الأحداث في أحُد نجد أن الله تعالى يقول للمسلمين: لا تظنوا أن وجود رسول الله بينكم يحميكم أو يُخرِجكم عن هذه القضية، فهذه سنة الله في كونه لا تتبدل. ففي أُحُد خالف المسلمون أوامر رسول الله، حين نزل الرماة وتركوا أماكنهم طمعاً في الغنائم، فالتفَّ عليهم المشركون، وكانت النتيجة لا نقول انهزموا إنما هم لم ينتصروا لأن المعركة ماعت والرسول موجود بينهم. والبعض يرى في هذه النتيجة التي انتهتْ إليها الحرب في أُحُد مأْخذاً، فيقول: كيف يُهزم جيش يقوده رسول الله؟ وهذه المسألة تُحسَب للرسول لا عليه، فالرسول لن يعيش بينهم دائماً، ولا بُدَّ لهم أن يروْا بأعينهم عاقبة مخالفتهم لأمر رسول الله، وأنْ يشعروا بقداسة هذه الأوامر، ولو أنهم انتصروا مع المخالفة لفقدوا الثقة في أوامر رسول الله بعد ذلك، ولِمَ لا وقد خالفوه في أُحُد وانتصروا!! كذلك في يوم حنين الذي قال الله فيه:وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ.. } [التوبة: 25]. وكان من إعجاب المؤمنين بكثرتهم أن يقول أبو بكر نفسه: لن نُغْلَب اليوم عن قلة، لذلك لقَّنهم الله تعالى درساً، وكادوا أنْ يُهزموا، لولا أن الله تداركهم في النهاية برحمته، وتحوَّلت كفَّة الحرب لصالحهم، وكأن التأديب جاء على قدر المخالفة. فالحق سبحانه يُعلِّمنا امتثال أمره، وأنْ نخلص في الجندية لله سبحانه، وأن ننضبط فيها لنصل إلى الغاية منها، فإنْ خالفنا حُرِمْنا هذه الغاية لأنني لو أعطيتُك الغاية مع المخالفة لما أصبح لحكَمي مكان احترام ولا توقير. وهنا يحكي الحق - تبارك وتعالى - عن المشركين قولهم لرسول الله: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ.. } [السجدة: 28] أي: النصر الذي وعدكم الله به، وقد كان هذا النصر غاية بعيدة المنال أمام المؤمنين، فما زالوا قلَّة مُستْضعفة.

السابقالتالي
2 3