الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

حين نتأمل هذه الآيات نلمس رحمة الله بعباده حتى الكافر منهم الذي ضلَّ وأضلَّ، ومع ذلك فالله رحيم به حتى في تناول عذابهم، ألا ترى أن الله تعالى قال في عذابهم أنه مهين، وأنه أليم، لكن لم يذكر معه خلوداً كما ذكر هنا الخلود لنعيم الجنات، كما أن العذاب جاء بصيغة المفرد، أما الجنة فجاءت بصيغة الجمع، ثم أخبر عنها أنها { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } [لقمان: 9]. والوعد يستخدم دائماً لِعَدةٍ بخير يأتيك، وقلنا: إن العبد يِعد وقد لا يفي بوعده لأنه لا يملك كل مُقوِّمات الوفاء، أما الوعد إنْ كان من الله فهو محقق لأنه سبحانه يملك كل أسباب الوفاء، ولا يمنعه أحد عن تحقيق ما أراد لأنه سبحانه يملك كل أسباب الوفاء، ولا يمنعه أحد عن تحقيق ما أراد لأنه سبحانه ليس له شريك، كالرجل الذي أراد أنْ يذم آخر فقال له: الدليل على أن الله ليس له شريك أنه خلقك، فلو كان له شريك لقال له: لا داعي لأنْ تخلق هذا. لذلك يعلمنا الحق - سبحانه وتعالى - أنْ نردف وَعْدنا بقولنا: إن شاء الله حتى نكون منصفين لأنفسنا من الناس، ولا نُتهم بالكذب إذا لم نَفِ، وعندها لي أن أقول: أردت ولكن الله لم يُرِد، فجعلت المسألة في ساحة ربك عز وجل. وبهذه المشيئة رحم الله الناس من ألسنة الناس، فإذا كلفتني بشيء فلم أقضه لك فاعلم أن له قدراً عند الله لم يأتِ وقته بعد، واعلم أن الأمر لا يُقْضي في الأرض حتى يُقْضي في السماء، فلا تغضب ولا تتحامل على الناس، فالأمور ليست بإرادة الناس، وإنما بإرادة الله. لذلك حين تتوسط لأخيك في قضاء مصلحة وتُقْضي على يديك، المؤمن الحق الذي يؤمن بقدر الله يتأدب مع الله فيقول: قُضِيْتْ معي لا بي، يعني: شاء الله أنْ يقضيها فأكرمني أن أتكلم فيها وقت مشيئته تعالى، كذلك يقول الطبيب المؤمن: جاء الشفاء عندي لا بي. ولو فهم الناس معنى قدر الله لاستراحوا، فحين ترى المجدّ العامل يُقْصي ويُبعد، وحين ترى الخامل والمنافق يُقرّب ويعتلي أرفع المناصب فلا تغضب، وإذا لم تحترمه لذاته فاحترم قدر الله فيه. فالمسائل لا تجري في كَوْن الله بحركة ميكانيكية، إنما بقدر الله الذي يرفع مَنْ يشاء ويضع مَنْ يشاء، وله سبحانه الحكمة البالغة في هذه وتلك، وإلا لقلنا كما يقول الفلاسفة: إن الله تعالى خلق القضايا الكونية ثم تركها للناس يُسيِّرونها. والحق سبحانه ما ترك هذه القضايا، بدليل قوله تعالى:يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً }

السابقالتالي
2