الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى { مِن شَجَرَةٍ.. } [لقمان: 27] مِنْ: هنا تفيد العموم أي: من بداية ما يُقال له شجرة، وفرق بين أنْ تقول: ما عندي مال، وما عندي من مال، فالأولى لا تمنع أن يكون عندك القليل من المال الذي لا يُعتدُّ به، أمّا من مال فقد نفيت جنس المال قليله وكثيره. وتقول: ما في الدار أحد. وربما يكون فيها طفل مثلاً أو امرأة، أمّا لو قلْتَ: ما في الدار من أحد، فهذا يعني خُلوها من كل ما يُقال له أحد. والشجرة: هي النبات الذي له ساق، وقد تشابكتْ أغصانها، ومن ذلك قوله تعالى:فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.. } [النساء: 65]. أما النبات الذي ليس له ساق فهو العُشْب أو النجم الذي ينتشر على سطح الأرض، خاصة بعد سقوط الأمطار، وهذا لا تُؤخذ منه الأقلام، إنما من الشجرة ذات الغصون والفروع. وقد ذكر القرآن الكريم هذين النوعين في كلام معجز، فقال سبحانه:ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [الرحمن: 5-6] فالشمس والقمربِحُسْبَانٍ } [الرحمن: 5] أي: حساب دقيق محكم لأن بهما حساب الزمن،وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } [الرحمن: 6] أي: في خضوع لله تعالى. وكلمة النجم هنا يصح أنْ تُضاف إلى الشمس والقمر، ويصح أنْ تضاف للشجر، فهو لفظ يستخدم في معنى، ويؤدي معنى آخر بضميمة ضميره. وقد تنبه الشاعر إلى هذه المسألة، فقال:
أُرَاعِي النجْمَ في سَيْرِى إليكُمُ   ويرعَاهُ مِنَ البَيْدا جَوادِي
فهو ينظر إلى نجم السماء ليهتدي به في سيره، ويرعى جواده نَجْم الأرض، ومن ذلك أيضاً كلمة العين، فتأتي بمعنى الذهب والفضة، وبمعنى الجاسوس، وبمعنى عين الماء، وبمعنى العين المبصرة. ومعنى: { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ.. } [لقمان: 27] أي: يُعينه ويساعده إنْ نفد ماؤه. ولك هنا أن تسأل: لماذا جعل الإمداد للماء، ولم يجعله للشجر؟ قالوا: لأن القلم الواحد يكتب بحبر كثير لا حَصْر له، فالحبر مظنة الانتهاء، كما أن الشجر ينمو ويتجدد، أما ماء البحر فثابت لا يزيد. واقرأ أيضاً في هذه المسألة:قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [الكهف: 109]. والعدد سبعة هنا { سَبْعَةُ أَبْحُرٍ.. } [لقمان: 27] لا يُراد به العدد، إنما يراد به الكثرة كما في قوله تعالى:سَبْعَ سَمَاوَاتٍ.. } [الطلاق: 12] فهذه في مجرتنا الشمسية، فما بالك بالسماوات في المجرات الأخرى، وقد علمنا أن السماء هي كل ما علاك فأظلك. إذن: يرد العدد سبعة على سبيل الكثرة، والعرب كانوا يعتبرون هذا العدد نهاية للعدد لأن العدد معناه الأرقام التي تبين المعدود، فهناك فرق بين العدد والمعدود، ولما تبينّا هذا الفرق استطعنا أنْ نرد على المستشرقين في مسألة تعدد الزوجان، فالعدد يعني 1، 2، 3، 4، 5 أما المعدود، فما يميز هذه الأعداد.

السابقالتالي
2 3 4