الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ }

أهذه وصية من وصايا لقمان لابنه، أم هي كلام جديد من الله تعالى جاء في سياق كلام لقمان؟ قالوا: هو من كلام الحق تبارك وتعالى، بدليل قوله تعالى بعد ذلك:وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا.. } [لقمان: 15]. ومن التكريم للقمان أن الله تعالى ساق هذه الوصية بعد وصيته لابنه، فجاءت وكأنها حكاية عنه. ومعنى { وَوَصَّيْنَا.. } [لقمان: 14] يعني: علّمنا ووعظنا، وهما يدلان على معلومات تبتدئ بعلمنا ويذكر بها في وعظنا، ويُوفى بها حين جمعنا كل الخير في كلمة واحدة لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما خطب الناس في حجة الوداع ذكر أمهات الفضائل، لماذا؟ لأنه آخر كلامه إليهم، والموقف لا يناسب أنْ يذكر فيه تفاصيل الدين كله، فاكتفى بذكر أسسه وقواعده، كالرجل منَّا حين تحضره الوفاة يجمع أولاده، ويوصيهم، فيختار الأمور الهامة والخلاصة في أضيق نطاق. الله تعالى يقول: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ.. } [لقمان: 14] والوصية بالوالدين بالذات أخذتْ رقعة واسعة في كتاب الله، في هذه الآية ذكر علة الوصية، فقال: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ.. } [لقمان: 14]. وفي خمس آيات أخرى وردتْ كلمة إحساناً، في قوله تعالى:وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.. } [البقرة: 83]. وفي سورة النساء:وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.. } [النساء: 36]. وفي الأنعام:قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.. } [الأنعام: 151]. وفي الإسراء:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.. } [الإسراء: 23]. وفي الأحقاف:وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً.. } [الأحقاف: 15]. وفي آية واحدة وردت كلمة حسناً في سورة العنكبوت:وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً.. } [العنكبوت: 8]. وفي آية واحدة أيضاً جاءت الوصية بالوالدين دون ذكر لهاتين الكلمتين: حُسْناً وإحساناً هي الآية التي نحن بصدد الحديث عنها. لكن، ما الفرق بين إحساناً و حُسناً؟ الفرق أن الإحسان مصدر أحسن، وأحسن حدث، تقول: أحسن فلان إحساناً. أما حُسناً فمن الحسن وهو المصدر الأصيل لهذه المادة كما تقول: فلان عادل، فوصفته بالعدل، فإنْ أردتَ أنْ تبالغ في هذا الوصف تقول: فلان عَدْل أي: في ذاته، لا مجرد وَصْف له. إذن: فحُسْناً آكد في الوصف من إحساناً، فلماذا جاءت في هذه الآية بالذات:وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً.. } [العنكبوت: 8] قالوا: لأن هذه الآية تتعرض لمسألة صعبة تمسُّ قمة العقيدة، فسوف يطلب الوالدان من الابن أنْ يشرك بالله. لذلك احتاج الأمر أنْ نوصي الابن بالحُسْن في ذاته، وفي أسمى توكيداته فلم يقُلْ هنا إحْسَاناً إنما قال حُسْناً حتى لا يظن أن دعوتهما إياه إلى الشرك مبرر لإهانتهما، أو التخلي عنهما لذلك يُعلِّمنا ربنا:

السابقالتالي
2 3 4