الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

وذكر هنا الإيمان فقال { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [الروم: 45] ثم { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [الروم: 45] حتى لا يظن أحد أن العمل الصالح ربما يُغني عن الإيمان. وهذه مسألة شغلتْ كثيراً من الفلاسفة، يقولون: كيف أن الرجل الكافر الذي يعمل الصالحات لا يُجازى عليها؟ نقول له: أُجر ويُجازى على عمله الصالح لكن في الدنيا لأنه لم يعمل لله، بل عمل للشهرة وللصيت، وقد أخذ منها تكريماً وشهرة وتخليداً لِذكْراه وأقيمت لهم التماثيل.. إلخ، أما جزاء الآخرة فلمَنْ عمل العمل لوجه الله خالصاً. والقرآن يُنبِّهنا إلى هذه المسألة يقول: إياكم أنْ تُغَشُّوا بمن يعمل الأعمال للدنيا:وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [الفرقان: 23]. وجاء في الحديث: " فعلتَ ليُقال وقد قيل " نعم بنيت مسجداً، لكن كتبت عليه: بناه فلان، وشرَّف الافتتاح فلان.. الخ فماذا تنتظر بعد ذلك، إن ربك يريد العمل الخالص لوجهه تعالى، كما جاء في الحديث " ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما فعلت يمينه ". فقوله تعالى: { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [الروم: 45] يدل على أن العمل الصالح إنْ كان صالحاً بحقٍّ يفيد صاحبه في الدنيا، لكن لا يفيده في الآخرة إلا أن يكون صادراً عن إيمان بالله، ثم يربط الإيمان بالعمل الصالح حيث لا يغني أحدهما عن الآخر. وقوله تعالى: { مِن فَضْلِهِ.. } [الروم: 45] أي: تفضُّلاً من الله، حتى لا ينخدع أحد بعمله، ويظن أنه نجا به، وهذه المسألة موضع نقاش بين العلماء يقولون: مرة يقول القرآن { مِن فَضْلِهِ.. } [الروم: 45] ومرة يقول:ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 32] أي: أنها حق لكم بما قدَّمتم من عمل، فهل الجنة حق للمؤمنين أم فضل من الله؟ ونقول: العمل الذي يطلبه الله تكليفاً من المؤمنين به يعود على مَنْ؟ يعود على الإنسان، ولا يستفيد الله منه بشيء لأن له تعالى صفات الكمال المطلق قبل أن يخلق الخَلْق. لذلك قال في الحديث القدسي: " يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي قدر جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلْكي قدر جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسألني كُلٌّ مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كمغرز إبرة إذا غمسه أحدكم في بحر، ذلك أنِّي جَوَاد ماجد واجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أن أقول له: كُنْ فيكون ".

السابقالتالي
2 3