الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

سبق أنْ قلنا: إن قضية الخَلْق مُسلَّم بها لأنها قضية لم يدَّعها أحد لنفسه مع كثرة المتبجحين بالكفر والإلحاد لذلك لما ادَّعاها النمروذ الذي حاجَّ إبراهيم في ربه فقال: أنا أحيي وأميت، فعلم إبراهيم عليه السلام أنه يريد اللجاج والسفسطة التي لا طائل منها، وإلا فكيف يكون الأمر بقتل واحد إماتة، والأمر بترك الآخر والعفو عنه إحياء؟ ثم ما بال الذين خُلِقوا قبلك وميلادهم قبل ميلادك؟ إذن: أنت لم تخلق ولم تُحي أحداً، وسبق أنْ بيّنا الفرق بين القتل والموت مع أنهما يشتركان في إنهاء الحياة وإزهاق الروح، لكن الموت يكون بإزهاق الروح أولاً، يتبعه نَقْض البنية وتحطم الجسم. أما القتل فينقض البنية أولاً نَقْضاً يترتب عليه إزهاق الروح فالروح لا تقيم إلا في بنية سليمة، ومثَّلنا لذلك بلمبة الكهرباء حين تحرق فينطفىء نورها، فهل يعني ذلك أن التيار انقطع عنها؟ لا بل هو موجود لكنه يحتاج لبنية سليمة بدليل أننا إذا استبدلنا اللمبة تضيء. والحق - سبحانه وتعالى - يبين لنا هذا الفرق في قوله سبحانه:وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ.. } [آل عمران: 144] إذن: فالنمروذ لا يحيي، بل يُبقِي على الحياة، ولا يُميت بل يقتل ويُزهِق الروح. وكان بمقدور إبراهيم عليه السلام أنْ يردَّ عليه هذه الحجة، وأنْ يكشف تزييفه، لكنه أراد أن يأخذه إلى ميدان آخر لا يستطيع التلفيق فيه ولا التمحُّك، فقال له:فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ.. } [البقرة: 258]. كذلك مسألة الرزق فهي مُسلَّمة لله لم يدَّعِها أحد: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ.. } [الروم: 40]. بدليل أن الله تعالى جعل بعض المناطق جدباء، يجوع فيها القادر والعاجز، ويجوع فيها ذو المال وغير ذو المال، ولو كان هناك رازق غير الله فَلْيْحُي هذه المناطق الجدباء. وقوله تعالى: { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.. } [الروم: 40] ولم يقل: يقتلكم { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ.. } [الروم: 40] أي: اسألهم هذا السؤال، ودَعْهم يجيبون هم عليه: أتستطيع الأصنام التي تشركونها مع الله أنْ تفعل شيئاً من الخَلْق أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة؟ أفي قدرتها شيء من ذلك وأنتم الذين تصنعونها وتنحتون حجارتها بأيديكم، وتُصوِّرونها كما تشاؤون، فإذا هبَّتْ عاصفة أطاحت بها وربما كسرت ذراع أحد الأصنام فتجتمعون لإقامتها وإصلاحها؟ فأين عقولكم؟ وما هذه الخيبة التي أصابتكم؟ لذلك يقول سبحانه عنهم:وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [النحل: 20]. ويقول سبحانه:إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ.. }

السابقالتالي
2